الرباط - الدار البيضاء
قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض المغربية رئيس النيابة العامة، إن تدبير الاعتقال الاحتياطي من المواضيع التي تستأثر باهتمام بالغ من جانب رئاسة النيابة العامة، “بدليل العدد الهام من الدوريات التي وجهت إلى النيابات العامة في هذا الشأن”، مضيفا أن هذا الاعتقال وجب ترشيده “لأنه من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية، ويمس الفرد في أحد حقوقه الأساسية التي كرستها المواثيق الدولية والكتب السماوية، ألا وهو الحق في الحرية”.وفي كلمته بمناسبة افتتاح أشغال الندوة الجهوية الثانية حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي، التي نظمت اليوم الإثنين بمدينة مراكش، أوضح الداكي أن هذه القضية “تشكل مرآة حقيقية لمدى احترام قواعد وشروط المحاكمة العادلة، وتفعيل قرينة البراءة التي تعتبر حجر الزاوية في الأنظمة القضائية الحديثة؛ فأي إفراط أو سوء تقدير في إعمال سلطة الاعتقال معناه انتهاك لحرية الإنسان وهدم لقرينة البراءة”.
وأمام الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك ورؤساء الغرف الجنائية والجنحية وقضاة التحقيق العاملين بالدوائر القضائية بكل من مراكش وسطات وآسفي وورزازات، وممثل للاتحاد الأوروبي، الذي يدعم هذه الندوة، أضاف المتحدث ذاته: “أكدنا مرارا للسادة قضاة النيابة العامة أن تحريك الدعوى العمومية في حالة اعتقال يجب أن يتم في الحالات الاستثنائية التي يقع فيها مساس بمصالح أخرى بشكل صارخ من طرف المشتبه فيه”.
كما وجه الداكي خطابا إلى ممثلي النيابة العامة قائلا: “إنكم على وعي تام بجسامة مسؤوليتكم في تدبير الاعتقال الاحتياطي، وأهمية دوركم في ترشيده، فأنتم حماة حرية الأفراد والجماعات كما ينص على ذلك الفصل 117 من دستور المملكة”، مشيرا إلى ضرورة “توفر المبررات القانونية المحددة في المواد 47 و73 و74 من قانون المسطرة الجنائية، التي تتمثل في حالة التلبس، وخطورة الفعل الجرمي، وانعدام ضمانات الحضور، وتوفر دلائل قوية على ارتكاب المشتبه فيه للجريمة”.
وأشار رئيس النيابة العامة إلى أن نسبة الاعتقال الاحتياطي يطبعها الارتفاع، إذ بلغت 44.56 في المائة نهاية شهر أكتوبر 2021، علما أنها بلغت في نهاية شهر شتنبر 45.25⁒، رغم المكانة التي حظي بها الموضوع ضمن أولويات السياسة الجنائية، والجهود المبذولة في هذا الإطار.وواصل المتحدث نفسه مستدركا: “أثمرت جهود رئاسة النيابة العامة في البداية نتائج طيبة عكستها الأرقام المسجلة في معدلات الاعتقال الاحتياطي، إذ انخفضت إلى 36.31⁒ في متم شهر مارس 2019، إلا أن الآثار السلبية التي أفرزها انتشار وباء كوفيد 19 على سير العدالة عموما، وعلى وتيرة البت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين على وجه الخصوص، انعكست بشكل ملحوظ على نتائج سنتي 2020 و2021”.
“إثر هذا المستجد الذي فرضته جائحة ‘كوفيد19’ فالأمر يقتضي منا جميعا، قضاة الحكم والتحقيق والنيابة العامة، مضاعفة الجهود، سواء عبر ترشيد اللجوء إلى الاعتقال عند تحريك المتابعات، أو من خلال الرفع من نجاعة الأداء عند البت في قضايا المعتقلين وإصدار الأحكام، والتسريع في إحالة ملفات المعتقلين الاحتياطيين المطعون فيها على المحكمة الأعلى درجة”، يورد مولاي الحسن الداكي.
كما أوضح رئيس النيابة العامة أن “هذه الندوة تشكل حلقة علمية ومنتدى للتفكير العميق في رسم خريطة طريق فعالة لإيجاد الحلول لإشكالية ترشيد الاعتقال الاحتياطي”، ثم أشار إلى أن “قرار الاعتقال ليس مجرد تدبير عادي قد تتم معالجته إجرائيا في المستقبل، بل هو إجراء جوهري وقرار مصيري في حياة العديد من الأشخاص الذين يتخذ في حقهم، والذين تتأثر مصالحهم الأسرية والوظيفية بشكل مباشر بتبعاته، ما يتطلب منا التريث إلى أقصى حد قبل اتخاذه”.
وذكر الداكي الحاضرين بأن “قواعد النجاعة وحسن الأداء تقتضي تتبعا وتقييما دوريين لمختلف القرارات المتخذة، وتأتي قرارات الاعتقال في مقدمة هذا التقييم، ذلك أن حوالي ألفي (2000) معتقل تنتهي قضاياهم بالبراءة أو عدم المتابعة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حقيقية حول جدوى الاعتقال في مثل هذه الحالات”، مضيفا: “إذا كانت التطورات التي تعرفها القضايا خلال مرحلة المحاكمة تكون السبب الرئيسي في معظم هذه الأحكام، فأكيد أن مسؤوليتنا مع ذلك تبقى حاضرة، خاصة حينما يتعلق الأمر بمساطر مرجعية أو ادعاءات لا تعضدها وسائل الإثبات الكافية”وتمنت رئاسة النيابة العامة أن تتوج هذه الندوة الجهوية الثانية بتوحيد الرؤى وتجميع مختلف الأفكار والاقتراحات للخروج بتوصيات أساسية سيتم تعميمها مستقبلا على جميع النيابات العامة، لتكون خطوة فعالة ومبادرة ملموسة لترشيد الاعتقال الاحتياطي الذي يعد لبنة أساسية في مشروع إصلاح منظومة العدالة ببلادنا وتعزيز حماية حرية الأفراد.
قد يهمك ايضا
المجلس الأعلى للسلطة القضائية يستعرض حصيلة “المحاكمات عن بعد”
جلسات تأديبية تضع قضاة مغاربة بين حرية التعبير وواجب التحفّظ