بيروت - رياض شومان
صدر في باريس قبل أيام عن دار "غراسيه" كتاب بعنوان "الاخوان المسلمون" للباحث ميكايل برازان من 432 صفحة، وهو كتاب تحقيق وبحث، يتناول تنظيم
"الاخوان" منذ نشوئه وحتى اليوم وقد ترجمه للعربية الصحافي و الكاتب اللبناني بول شاوول .
وقد رصد الكاتب الحركة الاخوانية في مختلف ظروفها وأحوالها منذ بداياتها مع النازية والفاشية وصولاً الى المخابرات الأميركية، وحتى العلاقة ببعض الرؤساء الغربيين المعاصرين مثل الرئيس ساركوزي.
أهم ما في هذا البحث الدؤوب، كشفه وبطريقة موثقة الدور الأساسي للنازية في إنشاء ودعم التنظيم الاخواني، كحركة دينية تناهض الشيوعية "الملحدة". وهذا ما جعل الأميركيين في الخمسينات، عندما التقوا ضباطاً نازيين قدامى، وفاعلين، لدعم هذه الحركة لتكون أداتهم الطيّعة في مواجهة النظام الشيوعي السوفياتي.
وجاء في الكتاب أ ن ولادة الجهاز السري تمت في الحرب العالمية الثانية بعد عشر سنوات من تأسيس حركة الاخوان المسلمين (أسست عام 1928) بلغ تعدادها مليوني عضو، موزعين في كل مصر. في هذا الوقت تحرك مؤسسها حسن البنا على جبهتين جديدتين: أراد أن يعطي الحركة بعداً دولياً، لتهيئة الفرد لبعث "الخلافة الاسلامية، بعد سقوط الخلافة العثمانية"، على الرغم من أن هذا الهدف لم يكن مطروحاً آنئذ. وفي 1938 و1941، أسس تنظيماً سرياً "الجهاز السري" نوعاً من الميليشيا الجهادية مؤلفة من 1000 الى 2000 عنصر تدربوا على أساليب القتال. هذه الميليشيا تمثل الحرس القريب من القيادة بقدر ما هي نخبة من المقاتلين هدفهم الدفاع عن القضايا الكبرى للإسلام وقادرين، بأمر من القائد، على الانتقال الى العنف. هذا التنظيم السري المرتبط مباشرة بالفرع الأكثر راديكالية للاخوان المسلمين، كان ممولاً في الثلاثينات (1930) من الحزب النازي. أحد الديبلوماسيين الألمان المقيم في القاهرة تولى تسليم المال الذي أتاح للاخوان إنشاء التنظيم. لكن العلاقة بين الاستعمار والاخوان لم تكن المراجع التاريخية الوحيدة لمصادر الاخوان. وهذا الأمر لم يكن غريباً عن إيديولوجيات ذلك العصر. فالفاشية، ثم الشيوعية، كان لهما تأثير كبير في بيئة الحزب عند "الاخوان".
فبنية التنظيم الاخواني ملتصقة التصاقاً شديداً بنماذج الأحزاب الفاشية الأوروبية المعاصرة لنشوء الاخوان. الطاعة العمياء للقائد، تنظيم الجهاز السري العسكري، وبعض الطقوس مثل القسم بالتزام الإخلاص وجوانب أخرى متأثرة مباشرة بالفاشية. ولثلاثية "العمل، الطاعة والصمت" التي هي أهم مقومات الاخوان صدى لـ"الإيمان، الطاعة والقتال" عند الفاشيين الإيطاليين.
وعن العلاقة بين "الإخوان" والضباط الأحرار، جاء في الكتاب، أن
الاخوان الذين سُمح لهم بالعودة الى ممارسة نشاطهم في ربيع 1951، بفضل شبكاتهم في مصر، وفي فروعهم الخارجية، لتُعيد بناء التنظيم، وتشكل فرق كوماندوس أرسلت لتحارب الى جانب القوات المصرية ضد القوات البريطانية الموجودة حول قناة السويس (...).
وبطريقة مخفية وباطنية، كان هناك شيء جديد يتحضر، والذي من شأنه تغيير المعطيات والأوضاع. فالتحالف بين الاخوان وجماعة من العسكريين، المستعجلين لخلع الملك فاروق عن عرشه: "الضباط الأحرار". فالاخوان المسلمون هم الذين بادروا الى كل شيء. بصبر، وعلى امتداد سنوات عدة، اخترقوا القيادة العليا، وزرعوا رجالهم فيها، وأسسوا خلايا داخل الجيش. فأوائل الضباط الأحرار كانوا أصلاً عملاء سريين للاخوان. وكان الهدف اجتذاب أعداد منهم، قبل القيام بانقلاب، وتسليم الاخوان السلطة على طبق من الفضة. فالمخطط سهل وفاعل بالنسبة للاخوان، لكن الأمور جرت عكس التوقع.
فمنذ أسطورة فرانكيشتاين عُرفت نزعة طبيعية في كائنات انقلبت على صانعيها. ففي داخل الاخوان المسلمين المزروعين في الجيش، كان الذي يدير اللعبة ضابط محترف في إطلاق النار. حمل السلاح وهو في السادسة عشرة وحارب في شوارع القاهرة وهو منتم الى حركة "مصر الفتاة" وهي حركة استقلالية رائعة. وعندما صار ضابطاً في الجيش النظامي، تلقى رصاصة في كتفه في أرض المعركة في إسرائيل عام 1948. هذا الضابط كان يدعى جمال عبدالناصر. وقد ظن الاخوان أنه "رجلهم" المفضل، وحليفهم المفضل. والواقع أنهم أخطأوا خطأ جسيماً.
وعن موضوع التحالف بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و"الإخوان" يقول الكتاب، انه من أجل ضمان نجاح الانقلاب، كان على عبدالناصر أن يوثق علاقته بالاخوان. فعندما كان العسكريون والاخوان يقاتلون جنباً الى جنب ضد القوات البريطانية في قناة السويس، قاد عبدالناصر شخصياً المفاوضات السرية مع أعضاء التنظيم الإسلامي. والغريب أن الاخوان قبلوا اقتراحاته في التخلي عن بعض أهم أهدافهم التي تتمثل، 1) بفرض الشريعة، 2) مشاركتهم في الحكم.. أما بالنسبة الى الشريعة فقد استبعدت. أما مسألة المشاركة في الحكم فقد رأى عبدالناصر أنه من الأفضل في ظل الظروف القائمة عدم مشاركتهم. والغريب أنهم وافقوا. فقد قبلوا المشاركة في الانقلاب، والتعرض لخسائر بشرية، وأن يراهنوا على وجودهم حتى في حال الفشل، كل هذا من دون أي canter fanti، أي ممانعة. بالطبع هذا ما أسرّ عبدالناصر. فلا يمكن قيام مشاركة أفضل من هذه. بالنسبة الى توفيق أكليمادوس هناك تفسيران لقبول الاخوان: الأول أن عبدالناصر تواصل مع بعض العسكريين الذين وعلى الرغم من انتمائهم الى الاخوان اقتنعوا بتصور الضباط الأحرار: إعطاء الأولوية لمواجهة الاحتلال البريطاني. أما التفسير الثاني فمبني على أن الاخوان كانوا شديدي الاعتداد بأنفسهم، ويظنون بأنهم أقوى بكثير من حفنة ضباط، وميزان القوى هذا لا بد أن يظهر عاجلاً أو آجلاً لمصلحتهم.
وعن علاقة "الإخوان" والنازية
يقول الكتاب انه في الخمسينات (1950) قامت جماعة من قدامى الجنود من فروع الـ"SS" الإسلامية والنازيين الذين اعتنقوا الإسلام بالتخطيط لبناء مسجد في ميونيخ. الفكرة جاءت من غيرهارد فون ميندي، نازي قديم كان قريباً من روزنبرغ، المنظر العرقي للهتلرية، والوزير الرايخي للأراضي المحتلة في الشرق. وباعتباره كان المختص بالأقليات الإثنية في الاتحاد السوفياتي في إدارة الرايخ الثالث، فقد كان ميندي مقتنعاً بأن الإسلام يشكل "الرتل الخامس" في مناهضة اليهود والشيوعية. وكون مينوس محوراً للتقرب من المسلمين أثناء الحرب فقد عمل على تأصيل التكوينات الإسلامية في الجيش الألماني. فهذه الفكرة هي التي كانت تحركه عندما انطلق في مشروع بناء مسجد في ميونيخ، ومن أجل تنفيذه، جنّد أحد المقربين منه نورالدين فمانجاني، الإمام الأزبكي لفرع "SS" أو شرتور كيشر وافنفرباند، الذي قام بقمع المقاومين البولونيين ضد الاحتلال الألماني في فارصوفيا عام 1944.
وكان فمانجاني عندها الممثل الرسمي للجالية الإسلامية المكونة من اللاجئين الآتين من الأقليات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي. ولقد لقي مشروعه دعماً من بؤرة مرتبطة مباشرة بالمخابرات الأميركية، أو "اللجنة الأميركية لتحرير الشعوب الروسية"، والتي كان بعض شبكاتها قائمة في ميونيخ. فبين الأميركيين وقدامى "SS" (النازية) انسجام في المواقف، أو الأحرى قضية مشتركة: محاربة الشيوعية. وكان الهدف التلاعب بمسلمي الاتحاد السوفياتي. وكانت الولايات المتحدة تراهن آنئذ على الدِّين، خصوصاً على الإسلام، لمواجهة "الإلحاد" السوفياتي(...). وتنظيم رتل إسلامي خامس مهمته محاربة الشيوعية أكثر ملائمة للأميركيين من جماعة مؤثرة كثيرة في الشرق الأوسط جعلت من محاربة الشيوعية رهانها الأساسي: أي "الاخوان المسلمون". وهكذا ولكي تموه عدم كفاءة اللجنة التي كانت مجندة لبناء المسجد، كان روبرت دريهير، عميل الاستخبارات الأميركية الذي كان يدير العملية في ميونيخ، قرر اللجوء الى تمويه معروف عند الجماعة لكي يكون واجهة للمشروع: سعيد رمضان، صهر المؤسس حسن البنا.
(...) أما الرئيس الأميركي أيزنهاور، فقد أجرى اتصالات مباشرة بالاخوان المسلمين أدارها سعيد رمضان عام 1953. وقد عقد الاجتماع بشكل "ناجح" جداً، بحيث خرج الاخوان وجيوبهم مليئة. وقد أعلن الرئيس الأميركي دعمه السياسي ومساعدة مالية للتنظيم الاخواني.