ليتني رصاصكم!

الدار البيضاء اليوم  -

ليتني رصاصكم

علي الرز

ماذا يريد الأمين العام لـ "حزب الله" السيّد حسن نصر الله من بياناته المتلاحقة عن اليمن وهل هو فعلاً مجرد ناطق باسم الخارجية الإيرانية؟
ربما حتّمت الإجابة الرجوع قليلاً الى مواقف الرجل من جملة قضايا في المنطقة مرتبطة بشكل مباشر بالمخطط الإيراني او ما يُسمى تجميلياً محور الممانعة. فالرجل لا ينطق عن الهوى إطلاقاً ولا يطلق أيّ عبارة مجانية، وأصحاب القرار في إيران معجبون جداً بطريقة تسويقه للبرامج عبر طرْحها المتسلسل في إطار تعبئة اشتهر بتَميُّزه بها.

في لبنان، وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري والتعاطي الجدي لبنانياً وعربياً ودولياً مع الجريمة، كان مطلوباً ان يذهب البلد الى مكان آخر ... فلم يجد محور الممانعة أفضل من براغماتية السيد الذي قاد مشروعاً تعطيلياً تفتيتياً أهمّ ما فيه هو تعميم التطرف وتكريس التوصيف المذهبي للخلافات والانقسامات. ولا حاجة للعودة الى احتلال وسط بيروت باسم الاعتصام ولا الى محاولات اقتحام السرايا الحكومية ومحاصرة رئيس الوزراء ولا الشعارات التي رُفعت ولا المصادمات النارية مع مناطق غالبية سكانها من لون طائفي معين ... وصولاً الى اليوم الاسود يوم 7 مايو 2008 الذي شهد أبشع سقوطٍ لبيروت في يد ميليشيا مذهبية.
كانت غزوة بيروت "يوماً مجيداً" بحسب توصيف نصر الله.

في سورية. بدأ السيد حديثه عند اندلاع الثورة عن ضرورة الحلّ السياسي والإصلاح وجمع الفرقاء الى طاولة واحدة، ثم انتقل تدريجياً الى التسويق لنظام بشار الأسد بطريقة لم يصدّقها حتى سكان قصر المهاجرين، مثل قوله عن حمص وهي تحت جحيم القصف: "ما في شي بحمص". وبعدها خرج بنظرية ان قرى "كانت" لبنانية داخل سورية تحتاج الى حماية "حزب الله". بعدها ان المزارات والمراقد الشيعية في خطر. بعدها ان القصير تحتلها مجموعات تكفيرية تتولى من ضمن مخططاتها تفخيخ السيارات وإرسالها الى لبنان وتحديداً الى الضاحية الجنوبية... وصولاً الى الإعلان الرسمي عن دخول "حزب الله" المعركة الى جانب بشار الاسد بعد غزوة القصير التي خاطب فيها نصر الله جنوده "رجال الله" بالقول:"ليتني كنت معكم ... ليتني رصاصكم".
ايضاً، كان احتلال القصير "يوماً مجيداً" بحسب توصيف نصر الله.

وما يصحّ على لبنان وسورية، يصحّ بعناوينه لا بتفاصيله على العراق وفلسطين، فالاستراتيجية تُرسم في طهران والتكتيك يتولاه الحزب والتسويق والتعبئة يتولاهما الأمين العام.

اليوم نحن أمام عاصفة الهجوم على "عاصفة الحزم". لا ينطق نصر الله عن الهوى ولا يطلق كلاماً مجانياً فهو ليس من هواة "فشّ الخلق" في الهواء او التعبير عن ضيقٍ بخطاب ... هو يعرف تماماً الى أين يريد ان يصل بعباراته.

 يكثر الأمين العام لحزب الله من خطاباته لتكريس واقعٍ إعلامي ضد المملكة وأشقائها الخليجيين بهدف ترجمته بمشاعر الغضب لاحقاً. يعبىء شباناً لبنانيين لم يروا من السعودية ودول الخليج إلا كل خير، وهي تعبئة صعبة جداً لمَن بقي في تفكيره ذرة وعي. يبني تحريضه على القصة الشيطانية التي صُرفت المليارات لإخراجها وإظهارها وهي قصة "القاعدة" و"داعش" و"النصرة" وأخواتها التي سيكتبها التاريخ يوماً بحبر الحقيقة. يستخفّ بجمهور كبير من خلال تصويره ان التدخل الخليجي لإعادة الشرعية والاستقرار الى اليمن ضدّ انقلابيين مدعومين من ايران جريمة لا تُغتفر، وان كل جرائم ميليشيات ايران من العراق الى لبنان (بما فيها جيش الاسد الذي أصبح تحت إمرة هذه الميليشيات) انما هي وجهة نظر.

عود الى الاسئلة الاولى، ماذا يريد نصر الله وهل هو الناطق باسم الخارجية الايرانية؟ استناداً الى ما سبق، فإن الرجل يسعى الى خلق أرضية إعلامية أمنية سياسية تمهّد لنقل ما طُبق في الهلال الممانع الى دول الخليج بدءاً من المملكة ... وهو بالتأكيد ليس ناطقاً باسم الخارجية الايرانية بل شريك فاعل في التنفيذ.
ان تصعيد اللغة ضد دول الخليج الداعمة للبنان اقتصادياً والحاضنة لجالياته التي يأتي منها جل الدعم الاغترابي، انما يهدف الى قطع هذا الشريان الحيوي وتخريب مساراته، كما ان التركيز على الإضرار بالشيعة اللبنانيين والعرب الذين يعارضون "حزب الله" والسياسات الايرانية ويؤمنون بأوطانهم انما يهدف الى خطفهم عملياً او على الأقلّ خطف قرارهم وبالتالي تدفيعهم ثمن تمسكهم بمواطنيتهم ورفضهم الالتحاق المذهبي خارج حدود دولهم.

قد تلحق خطابات نصر الله محاولات تخريب وتفجير في مناطق لبنانية شيعية وتخرج بيانات من "داعش" او "النصرة" او غيرهما متبنّية العمليات ما يزيد من الشحن ترجمةً للنص، وقد يتم توقيف شخص فيعلن انه خليجي وان الحرب المذهبية متصاعدة ما يزيد من التعبئة تمهيداً لما بعد الخطابات... أما ما بعد الخطابات، فمفتوح على كل الاحتمالات إلا احتمال العودة الى العقل والحكمة والمصلحة اللبنانية.

"ليتني رصاصكم" قالها نصر الله لمقاتليه قبل غزوة القصير. عكْسها تماماً هو ما يتمناه ويهدف اليه اليوم: "ليت كل الشيعة اللبنانيين والعرب رصاص في بنادق ايران"... لكن هذا اليوم "اللا مجيد" لن يراه نصر الله ولا "حزب الله "ولا "أنصار الله".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليتني رصاصكم ليتني رصاصكم



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 17:54 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 08:43 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عدد جديد من المجلة الكويتية الفكرية المحكمة «عالم الفكر»

GMT 06:30 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

نهاية بادي تغوص داخل أعماق النفس البشرية في "حمامة سلا"

GMT 04:52 2013 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الحجاب يزيد من جمال المرأة

GMT 19:32 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

مكب قديم للنفايات يكشف عن خاتم الملك اليهودي حزقيا

GMT 09:53 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

"الكهرباء المصرية" 12 ألفًا و500 ميغاوات زيادة متاحة عن الحمل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca