الدوحة وحديث المصالحة الفلسطينية

الدار البيضاء اليوم  -

الدوحة وحديث المصالحة الفلسطينية

عريب الرنتاوي

تجدد الحديث عن “مصالحة وطنية فلسطينية” مؤخراً، على وقع الأنباء التي تتحدث “وساطة قطرية” نشطة، وسط توقعات متفائلة بأن أحدث جولة من جولات الحوار والمصالحة، قد تنتهي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحل محل حكومة التوافق، التي لم يبق من “توافقيتها” شيء، غير اسمها، توطئة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، تنهي حالة الانقسام “المُمَأسس”، وتضع الفلسطينيين مجدداً على سكة الوحدة الوطنية. 
كان لافتاً للغاية، أن أنباء الحوار والمصالحة، لم تعد تستقطب اهتمام أحد، لفرط الحديث عنها أولاً، وللفشل المتكرر للمحاولات السابقة ثانياً، فضلاً عن تنامي القناعة لدى قطاعات واسعة من الفلسطينيين، أن “الانقسام” خلق ديناميكيات استمراره، وأن منظومة “المصالح” و”المنافع” التي نمت على جذعه، باتت أقوى من ضغوط المجتمع الفلسطيني الدافعة باتجاه الوحدة، وأكثر صلابة من “المساعي الحميدة” التي تعهد ببذلها غير طرف. 
وكان لافتاً أيضاً، أن “العرض القطري بالوساطة”، قد جاء من خارج السياق، فالدوحة التي انشغلت بملفات المنطقة جميعها، بدت أقل اهتماماً بهذه الملف على وجه الخصوص، وحمل أداؤها على الساحة الفلسطينية، بصمات انحياز لفريق دون عينه (حماس)، على النحو الذي كاد يعطل “صلاحيتها” للقيام بدور الوسيط النزيه والمترفع عن الأغراض والأجندات الخبيئة ... ولا شك أن الوساطة القطرية، ما زالت تثير في بعض جوانبها، أسئلة غامضة، تبدو الحاجة ماسّة لإجلائها، وتحديداً “سؤال المليون دولار” عمّا إذا كانت الوساطة القطرية نابعة من “يقظة عميقة” لأهمية وحدة الفلسطينيين في هذا “الزمن العربي والفلسطيني الرديء”، أم أنها حلقة في عملية إعداد المسرح لمرحلة “ما بعد عباس”؟ 
هنا نفتح قوسين لنقول: إن الدوحة، حليفة الإخوان المسلمين في المنطقة، ومن ضمنها حركة حماس، سعت في “تأهيل” الحركة و”تمكينها”، لا للإبقاء على حكمها غزة فحسب، بل و”تمديده” إلى الضفة الغربية، وزادت حماسة قطر لهذا المشروع، بعد تواتر الأنباء عن خطط خليجية منافسة لملء فراغ مرحلة ما بعد عباس، ورأى كثيرون في مشاريع “التهدئة المستدامة” التي بدأت زمن الأمير السابق، وامتدت بـ “مبادرة طوني بلير” الأخيرة، التي يقال أنها انطلقت بطلب وتمويل قطريين، إنما تندرج في سياق مشروع “تأهيل” حماس و”تعويمها”، مروراً بمرحلة انتقالية، تلحظ قيام تحالف بين حماس و”بعض فتح”، لتفادي تعميم حصار غزة على الضفة الغربية... هنا وهنا بالذات، يصبح “سؤال المليون دولار” مشروعاً تماماً. 
على أية حال، كان انسحاب مصر، الطوعي، من ملف الوساطة بين الفلسطينيين، سبباً في تشجيع القطريين والفلسطينيين على حد سواء، للسير على هذا الطريق ... القاهرة التي بلغت علاقتها بحماس أسفل درك، لم تعد مهتمة بهذا الملف على وجه الخصوص، انطلاقاً من رغبة عميقة بتفادي “تعويم حماس”، بل والرغبة الأعمق، في إغراقها في بؤس غزة ومياه بحرها ورمال سيناء ... لقد فقدت القاهرة شهيتها للقيام بدور الوسيط بين فتح وحماس، وبدلاّ من ذلك، رأينا قادتها أكثر اهتماماً بالتوسط في مصالحات أخرى: عباس الدحلان على سبيل المثال، ودائماً تحت ضغط “هاجس” حماس وبهدف عزلها. 
الدوحة في المقابل، لم تخف انحيازها لحركة حماس، ولم تترفع عن الانخراط في الصراع على الملف الفلسطيني في مواجهة خصوم خليجيين آخرين (الإمارات أساساً) ... بيد أن قطر بخلاف مصر، لم تعمد إلى تقطيع شرايين علاقتها مع عباس والسلطة وحكومة الحمد الله ... كما أن لدى بعض قادة السلطة والمنظمة، ومن بينهم الرئيس عباس، “هوى قطري” يعود لسنوات العمل والإقامة في الإمارة الخليجية، التي سبق لها وأن استضافت مشعل – عباس وكان اتفاق الدوحة (شباط 2012) ثمرة لذلك اللقاء الذي لم يعمّر طويلاً، بعد انقلاب حماس – غزة، على توقيع رئيس مكتبها السياسي. 
وفقاً لمصادر عديدة متطابقة، فإن وفوداً فلسطينية ستبدأ بالتقاطر إلى الدوحة، للبحث في مختلف شجون المصالحة وشؤونها، على أن يتوّج الاتفاق في حال جرى التوصل إليه، بلقاء جديد بين عباس ومشعل، وسنرى إن كانت حظوظ تنفيذه أفضل مما سبقه من اتفاقات، فقد تكشفت تجارب الحوار والمصالحة طوال سنوات الانقسام التسع العجاف، أن “كل شياطين الأرض” تكمن في التفاصيل، خصوصاً حين تقترب فتح من مناطق سيطرة حماس وتفردها، أو حين تحاول حماس فتح ملف حضورها في الضفة الغربية ومشاركتها في مؤسسات منظمة التحرير. 
لقد دللت التجارب السابقة، أن حماس لن تفرط بنفوذها المهيمن على قطاع غزة، مهما كلف الثمن، وهي تنظر بعين الريبة، لكل فكرة أو مشروع، تعيد السلطة بأجهزتها الأمنية إلى القطاع بكثافة، كما أنها تخشى “منح” خصومها من الفصائل، وتحديداً حركة فتح، هامشاً واسعاً من حرية الحركة، والتي قد تفضي إلى استثمار ضيق أهل القطاع وضائقتهم، بما يؤلبهم على قيادة الحركة المتحكمة بزمام القطاع لعقد كامل تقريباً.
الشيء ذاته ينطبق على السلطة وفتح والمنظمة ... لن تقبل السلطة بأجهزتها ومؤسساتها و”الطبقة المتحكمة بها” بعودة حماس إلى نشاطها المعتاد في الضفة الغربية، مثل هذا الأمر، قد يفتح الباب لتقويض السلطة، واستجرار مزيد من التدخل الإسرائيلي لقمع مقاومتها أهلها التي تشجعها حماس، ولأسباب شتى، بعضها يعود لمقاومة الاحتلال وبعضها الآخر يتعلق بإضعاف السلطة وإحراجها، توطئة لإخراجها من المشهد السياسي ... كما أن الرئيس عباس، سيجد صعوبة بالغة في تسليم ختم منظمة التحرير لحماس، أو حتى إعطائها نسخة عنه، فهي تظل الممثل الشرعي والوحيد، حتى وإن كان نفوذها لا يتعدى مقرها المتواضع في رام الله. 
من دون حل هذه الإشكاليات الكبرى، يصعب الحديث عن مصالحة صلبة ومستدامة ... وقد تتحول صراعات السلطة والمصالح والنفوذ إلى معوّل تهديم لأية خطوات جدية على طريقة استعادة وحدة البيت الفلسطيني الداخلي ... أما “حكاية” اختلاف البرامج و”النهجين” وغيرها، فستُستَحضر عند الخلاف، وعند الخلاف فقط، أما في حالة التوافق والتصالح، فقد دللت التجربة على أن “حكاية البرنامجين والنهجين”، لم تكن يوماً المشكلة الأكثر صعوبة واستعصاءً على الحل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدوحة وحديث المصالحة الفلسطينية الدوحة وحديث المصالحة الفلسطينية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 05:00 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

أفكار عملية بسيطة لتنسيق حديقة منزلك في صيف 2018

GMT 05:38 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

"ماتشو بيتشو" مدينة ألانكا لغز وعظمة طاغية

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 17:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الاختلاف والتميز عنوان ديكور منزل الممثل جون هام

GMT 01:19 2016 السبت ,17 أيلول / سبتمبر

د. باسم هنري يُبشّر بعلاج للإنزلاق الغضروفي

GMT 18:18 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 07:12 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

جهزي طعامك بنفسك في مطعم " Dinning Club" في لندن
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca