بقلم - عريب الرنتاوي
داهمني التساؤل، وأنا أقرأ مقالة السفير الإماراتي لدى واشنطن لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، ما "المشترك" بين "إسرائيل" وجهنم"؟...قد يبدو التساؤل ساذجاً وغريباً، لكن هذا ما قرع مخيّلتي على أية حال... جاء في القرآن الكريم: "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد"...وخلاصة الدرس الذي توصل إليه الفلسطينيون في صراع المئة عام مع إسرائيل تقول: "يوم نقول لإسرائيل هل اكتفيت وتقول هل من مزيد"...مقالة يوسف العتيبة في الصحيفة العبرية، تحمل المعنى ذاته، فهل وصلت إلى الخلاصة ذاتها؟
لسنوات وعقود، ساد الأوساط الرسمية، الفلسطينية والعربية الاعتقاد بأنه يكفي أن تشعر إسرائيل بالطمأنينة على وجودها الآمن، ضمن حدود معترف بها ويسهل الدفاع عنها، حتى تجنح للسلم مع العرب، وتمكن الفلسطينيين من ممارسة الحد الأدنى من حقوقهم الوطنية المشروعة...يكفي أن تشعر إسرائيل بالأمان، ويسودها الاعتقاد بأنها دولة طبيعية بعلاقات طبيعية مع جوارها العربي، حتى تُخلي المناطق التي احتلتها عام 1967.
كثرة من القادة العرب، تحدثوا بهذه اللغة، زيارة السادات لإسرائيل وخطابه في الكنيست، كان مدفوعاً بهذه النظرية...مبادرة السلام العربية في بيروت 2002، القائمة على معادلة "التطبيع الشامل مقابل الانسحاب الكامل" من الأراضي المحتلة، كانت مدفوعة بهذه النظرية...مخاطبة "معسكر السلام" في إسرائيل والتعويل عليه، وفلسفة "المفاوضات حياة"، كانت مبنية على هذه الفرضية كذلك.
في البدء طُرِح الانسحاب والتطبيع في سياق تعاقبي، التطبيع يتبع الانسحاب ثم جرى الحديث عن "توازٍ" في المسارين، نطبع مع إسرائيل فتطمئن وتتشجع، ويزداد استعدادها لإنهاء الاحتلال...لا الصيغة الأولى أقنعت الإسرائيليين بالسلام القائم على إنهاء الاحتلال، ولا الصيغة الثانية نجحت في ذلك أيضاً...بل أن كل خطوة باتجاه التطبيع مع الإسرائيليين، كانت تشجع المزيد منهم على الاعتقاد بجدية وجدوى خيارهم: الجمع بين السلام والاحتلال...نتنياهو وفريق يميني واسع في إسرائيل، لطالما فاخروا مؤخراً، بأنهم سجلوا اختراقاً في مسار التطبيع مع العرب، من دون أن يكلفهم ذلك الانسحاب من سنتميتر واحد من الأراضي المحتلة، وأن "السلام مقابل السلام"، و"التطبيع مقابل التطبيع" هو البديل الوحيد الممكن لمعادلة "الأرض مقابل السلام".
مقالة السفير العتيبة "إما الضم أو التطبيع" في يديعوت أحرونوت، ذهبت أبعد من ذلك، إذ كشفت عن خطوات فعلية لنسج ما يمكن وصفه من دون مبالغة أو اتهامية، "تحالفاً استراتيجياً" مقابل وقف الضم وإنهاء الاحتلال...الحديث في المقالة يدور عن تحالف تدعمه جيوش قوية، واقتصادات ناهضة، وعلاقات ممتدة ومتشعبة مع واشنطن، ويبرره العدو المشترك: الإرهاب وإيران...والمقالة تحدثت عن مبادرات قامت بها بلاده لتشجيع إسرائيل على "التفكير الإيجابي" من بينها اعتبار حزب الله منظمة إرهابية وشجب "تحريض حماس"...العتيبة تحدث عن مشروع لجعل الإمارات "بوابة" لإسرائيل صوب المنطقة والعالم، وتحويلها من "عدو" إلى "فرصة" للعرب، وتشجيع الإماراتيين والعرب على النظر بإيجابية لإسرائيل، إلى غير ما هنالك من أفكار تستوجبها فكرة "التحالف الاستراتيجي"، المتخطية لمجرد تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل.
المنطق يقول: أن على إسرائيل أن تقبل بهذه العروض، وأن يسكنها إحساس عميق بالطمأنينة على حاضرها ومستقبلها...النظرية العربية في طمأنة إسرائيل تبلغ ذروتها في مقالة العتيبة، بيد أن إسرائيل كجنهم، ترد بالقول: هل من مزيد؟ ...المزيد في قرارات الضم المتلاحقة، التي ستأتي تباعاً، إن لم تأت دفعة واحدة، ودائماً من جانب واحد.