«حروب المياه»... عندما تتحقق أسوأ كوابيسنا

الدار البيضاء اليوم  -

«حروب المياه» عندما تتحقق أسوأ كوابيسنا

بقلم - عريب الرنتاوي

منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وأنا أقرأ بين الحين والآخر، أنباء ومقالات وتقارير عن «حروب المياه المقبلة» في المنطقة... تارة ينصب الاهتمام على حوض النيل، وثانية حول حوضي الفرات ودجلة، وثالثة حول الليطاني وينابيع مياه الشرب في مزارع شبعا وجوارها... وقبل كل هذا وذلك وتلك، حوض نهر الأردن وروافده وبحيرتيه.
أولى هذه الحروب وقعت فعلاً، وأمس مرت ذكراها الحادية والخمسين، ذكرى «النكسة» التي تداعت عن قيام إسرائيل بتحوير مجرى الأردن، وتجفيف بحيرة الحولة، ووضع اليد - بعد الحرب - بالكامل، على بحيرة طبريا وجزء من مياه لبنان، وتجفيف نهر الأردن (الشريعة)، وتعطيل مشاريع الاستفادة من مياه اليرموك، ونهب المصادر الجوفية في الضفة الغربية، بمنعها عن سكانها الأصليين، وتوفيرها بغزارة للمستوطنين.
العراق، يواجه خطر التصحر والعطش، فبعد الضخ الجائر من مياه الفرات، التي احتجزها سد أتاتورك العملاق، وعلى حساب سوريا والعراق معاً، يأتي الدور على نهر دجلة، وسد إليسو الذي جعل النهر العظيم، أشبه بـ «مخاضة» مياه جارية، يجتازها الغلمان سيراً على الأقدام... تركيا التي يمر منها ربع النهر «500 كم»، ليست وحدها المسؤولة عن جفاف ثلاثة أرباعه الأخرى... إيران تبني السدود على روافد النهر ومنابعه من أراضيها، وآخرها ما تقيمه على نهر الزاب الصغير من منشآت، خفّضت منسوب المياه المتدفقة في شريان الحياة العراقية.
حكاية دجلة، وقبلها الفرات، ليست جديدة، ولا ينبغي أن تكون مفاجئة لأحد، فالحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، أغفلت هذا الملف، وظلت منهمكة بحروبها واجتياحاتها وانقساماتها الداخلية، فيما الجوار الإقليمي يمعن في السطو على مياه «بلاد الرافدين» التي لن يكون لها من اسمها نصيب، بعد جفاف أحدهما... وما ينطبق على العراق، ينطبق بالدرجة ذاتها على سوريا، التي فشل نظامها السياسي في حفظ حقوقها المائية، سواء في مراحل التأزم التي طبعت علاقاتها مع تركيا، أو في لحظات الانفراج و»شهر العسل».
ومصر، هبة النيل، مهددة بشريانها الحيوي، وعلّة وجودها... والأداء المصري في موضوع سد النهضة الأثيوبي، يبدو حائراً ومرتبكاً، ويتميز بالضعف الشديد، فيما الانقسام المصري – السوداني، الذي لا مبرر له، يدفع أديس أبابا للتمادي في مشاريعها المائية، غير مكترثة بالمواقف والمصالح المصرية والسودانية سواء بسوار، بل وغير مبالية ببعض التهديدات التي تصدر عن القاهرة بين الحين والآخر.
مشكلة سوريا والعراق، تشبه مشكلة مصر والسودان، مصادر مياه هذه الدول تأتي من خارجها، من دول الجوار... أما في الحوض «الشامي/ المشرقي»، حيث الأردن والليطاني واليرموك والوزاني، وما يحيط بها من ينابيع ومصادر جوفية، فإن إسرائيل، باعتمادها سياسة «القوة الغاشمة»، المدعومة من الولايات المتحدة و»معايير المجتمع الدولي المزدوجة»، تمارس سياسة «السطو» على مياه شعوب المنطقة ودولها (فلسطين، الأردن، سوريا ولبنان)، من دون اكتراث بأية عوائق وعقابيل.
حروب المياه التي طالما جرى «التبشير» بدنوها، وفقاً لتقارير وأبحاث دولية موثوقة، تقرع الأبواب، وتهدد أكثر من مائتي مليون عربي، بالعطش والجفاف والتصحر، وتشكل تهديداً بيئياً قد لا يكون مسبوقاً منذ فجر التاريخ، وقد يفضي إلى القضاء التام على بقايا «الحضارات النهرية» وأنماط حياة ومعيشة، مارستها شعوب هذه المنطقة، من زراعة وصيد ونقل نهري، منذ فجر التاريخ... ولا يبدو في الأفق، أن ثمة رؤية عربية مشتركة للدفاع عن حقوق ومصالح شعوب هذه الدول... بل وليست هناك رؤية وطنية، داخل الدولة الواحدة ذاتها للتعامل مع هذا الملف الحيوي / الوجودي، سيما في بلدان منقسمة على نفسها مثل العراق ولبنان... وإذا كان «السلوك المائي» لدولة معادية مثل إسرائيل، أمراً مفهوماً في مناخات الصراع والحروب والمقاطعة، فإن سلوك دول صديقة مثل إيران وتركيا، لا يبدو مفهوماً أبداً، بل ولا يبدو مفهوماً أيضاً، استمرار تأييد قطاعات واسعة من الرأي العام العربي في الدول المتضررة لهاتين الدولتين، على الرغم من سياساتهما المائية المهددة للأمن الوطني والقومي لكل دولة من دول المنطقة والإقليم برمته.
في ستينيات القرن الفائت، كانت مشاريع تحويل مياه الأردن، كفيلة بإشعال فتيل حرب عربية إسرائيلية... اليوم، لا تستحق عمليات السطو على مياه الفرات والنيل ودجلة، مجرد مذكرة احتجاج أو استدعاء سفير... ومع ذلك ما زال بعضنا يردد وراء المتنبي منشداً: «وردٌ إذا ورد البحيرة شارباً... ورد الفرات زئيره والنيلا».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حروب المياه» عندما تتحقق أسوأ كوابيسنا «حروب المياه» عندما تتحقق أسوأ كوابيسنا



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca