رسالة ليست ككل الرسائل

الدار البيضاء اليوم  -

رسالة ليست ككل الرسائل

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

يحدث أن تتلقى الثناء على ما تقول وتكتب، فالناس يفعلون ذلك باستمرار، ويفعلونه بدوافع مختلفة: بعضهم من باب "المجاملة" المعتادة، بعضهم الثاني لأنه يتفق معك بالرأي، ولا يكترث بمستوى وسوية المقال أو المداخلة، قلة منهم أكثر احترافية وصدقية، يحترم ما لديك، حتى وإن خالفته الرأي...عادة تستوقفني ملاحظات هؤلاء أكثر من غيرهم، ويفرحني أكثر إن كنّا على وفاق.
 
لكن ما وصلني من الأسير أسامة الأشقر، بدا شيئاً مختلفاً بكل المقاييس...فالمناضل الأشقر أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، اعتقل في عزّ الانتفاضة الثانية، وهو يقضي منذ ذلك التاريخ أحكاماً بستة مؤبدات وخمسين عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي...لم تمنعه سنوات الأسر المديد، من استكمال دراسته الجامعية، ولم تَحُل القبضان دون إتمام خطوبته على الصحفية الناشطة والمناضلة كذلك، منار خلاوي، التي قررت بكامل وعيها، وعن سبق الترصد والإصرار، المجازفة بـ"أطول رحلة خطوبة على الإطلاق"، ودون أن يكون لديها يقين بأن هذه الرحلة ستتوج بالزفاف...مثل هذه القصص لا تجدها إلا عند الفلسطينيين، الذين يجهد "الأقزام" اليوم، في التطاول على إرثهم وتاريخهم وكفاحاتهم وعذاباتهم.
 
أسامة يخبرني بأنه "يتابعني" منذ زمن بعيد، يتردد أسمي مرات وتحجبه ظروف السجن والاعتقال مرات أخرى، وهو الذي ظنناه بحاجة لمن يشدّ عضده، يشدَ على يديّ، لقد أشعرني بالخجل حقاً، وربما يكون حمّلني بما لا قبل لي به أو عليه...تذكرت وأنا أقرأ رسالته التي نقلتها خطيبته منار، قول ياسر عرفات، وهو في "بيروت الحصار": "من يحاصر من؟...أسرى فلسطين يحاصرون سجانيهم، ويمدوننا بقول أسباب القوة والصمود، فتحية لهم نساءً وأطفالاً ورجالا أشداء، تحية لأسامة في محبسه المديد والمرير، تحية لمنار وهي تقبض على جمر الحرية، حرية الأسرى والوطن والشعب، وليخسأ الذين "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ"...وأترككم مع نص الرسالة كما وردت:
 
بسم الله الرحمن الرحيم
يقولون إن الذهب يظهر معدنه الحقيقي عند الصهر ودرجات الحرارة التي لا تٌحتمل، والأرواح الحقيقية تجعل منها الأيام والملمات أكثر التصاقاً بالحق والموقف والمبدأ الذي انتصرت لأجله، وأنت هكذا فمنذ زمن بعيد يتردد اسمك مرات وتحجبه ظروف السجن مرات أخرى، وبرغم طول السنوات وانقلاب الأحوال وتبدل المواقف بقي اسمك وبقيت أنت بنفس المواقف ونفس الطاقة المشعة.
 
أحييك أخي الكبير العزيز عريب على كل تلك السنوات التي حملت الكثير من المواقف النبيلة الصادقة وأطير لك من عتمات الزنازين كل أمنيات الصحة والعافية ودوام التألق والنجاح.
 
أخي العزيز؛ صحيح أن سنوات السجن وأحكام الاحتلال طويلة ولكن ذلك لم يَفُت في عضدنا وسيزيدنا قوة وثباتاً وإيماناً بأن الفجر الصادق سيبزغ قريباً وستنعم فلسطين بالحرية وستُعطي للعالم أجمع نفحاتها الخاصة من المساهمة الحقيقية في بناء وتقدم وتطور البشرية، إيماننا هذا لن تزعزعه الرهانات الخاطئة والمواقف المرتجفة والاتفاقات الخيانية سرية كانت أم علنية، إن ثمانين محاولة فاشلة لحل القضية الفلسطينية رغماً عن أهلها أو بغياب أهلها أو من وراء ظهر أهلها لم تفلح في إزهاق الحق وتعميد الباطل مكانه، وحتى وإن كانت المحاولات الحالية أكثر مكر ودهاء وحداثة فهي لن تفلح أيضاً.
 
من هنا، هنا أعني داخل فلسطين وحتى وإن كنا في السجون، وفلسطين سجن كبير، فنحن متواجدون ولن يستطيعوا نفينا وسحق وجودنا الأبدي على هذه الأرض.
 
أخي الكريم لك ولكل النشامى الفلسطينيين في العشق والهوى كل تحيات إخوانك الأسرى الفلسطينيين وان شاء الله لنا لقاء قريب وساحات الأقصى فرحةً سعيدةً بالانتصار القادم لا محالة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة ليست ككل الرسائل رسالة ليست ككل الرسائل



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca