أخر الأخبار

طريق العراقيين الشائك للتغيير

الدار البيضاء اليوم  -

طريق العراقيين الشائك للتغيير

عريب الرنتاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

ما الذي قد يفعله العراقيون أكثر مما فعلوه منذ الفاتح من تشرين الأول الفائت وحتى يومنا هذا؟ ... لقد خرجوا إلى الشوارع والميادين بالملايين، وصلوا الليل بالنهار في بغداد ومدن الجنوب، لم يوقفهم الرصاص الحي والمطاطي، ولا التفجيرات وعمليات الطعن الغادرة، قدموا قرابة الستمئة شهيد، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمفقودين والمختفين قسرياً، وقرروا أخيراً، ألا يوقفهم فيروس كورونا، وهم يفعلون ما بوسعهم للتحايل عليه، بعد أن عجزت حواضر دولية عن التغلب على «القاتل المراوغ».

لم يسقط النظام، ولم تتغير قواعد اللعبة، تبدلت الحكومات، لكن واقع حال العراقيين ما زال مقيماً ... لم تتحسن أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، ولم يتوفروا على خدمات أفضل ... لا واشنطن غادرت العراق، ولا إيران ضعفت قبضتها عليه ... «الآتي أعظم» بالنسبة لملايين العراقيين، سيما بعد انهيار أسعار النفط على نحو غير مسبوق منذ سنوات طوال، والمقدر أن عائدات الدولة من مبيعاته، لن تكفي لتغطية رواتب العاملين في جهازها الحكومي، المدني والعسكري المتضخم من دون حاجة أو ضرورة.

كيف يمكن للتغيير أن يحدث في دول كهذه، أو بالأحرى في ممالك الطوائف والمذاهب والأقوام، وأنظمة المحاصصة بين المكونات؟ .... كم ستبلغ كلفة التغيير في دول كهذه، بعد أن تأكدت بما لا يدع مجالاً للشك، قوة ومتانة نظام المحاصصة المدجج بالسلاح و»الزبائنية» و»غريزة القطيع» والولاءات الأجنبية؟ ... ومن يناصر التغيير في بلد تُرك بعد غزوة 2003 نهباً للفوضى والمليشيات وأمراء الحرب والطوائف، فيما انتفاضة شعبه تترك اليوم، وحيدة، لا يكترث بها أحد، بل ولا تكاد أخبارها ترد في نشرات الأخبار؟

لا شك أن الشعب العراقي، بالذات في محافظاته الجنوبية، قد أظهر توقاً جارفاً للتغيير، بعد أن ضاق ذرعاً بفساد نخبه وبؤس نظام وضيق خياراته ... لا شك أنه يكاد يختنق بهوياته الفرعية القاتلة والمقتتلة، ولا شك أنه سئم العمائم والفتاوى المفصّلة على مقاس مصالح «علية القوم» وحسابات أولياء أمورهم ونعمهم ... لا شك أنه يعبر عن حنين جارفٍ لهوية عراقية وطنية جامعة، ودولة مدنية ديمقراطية، خالية من الميليشيات، ومواطنة متساوية تحظى بما تستحقه من تعليم وصحة وخدمات وعيش لائق وكريم ... لا شك أن العراقيين باتوا تواقين للإحساس باستقلال بلدهم وسيادته، تسكنهم الرغبة في ألا يكون مجرد «صندوق بريد» لتبادل الرسائل الدامية بين المحاور والمعسكرات والعواصم المصطرعة ... من أجل هذا انتفض العراقيون، ولإنجاز هذه الأهداف النبيلة ثاروا رجالاً ونساء، شيباً وشباناً، لكن طريقهم إلى غاياتهم المنشودة، ما زالت – من أسفٍ - طويلة ومريرة.

يبدو أن طريق العراقيين غير المعبد للتغيير، لن يكون مستقيماً، ففيه محطات صعود وهبوط، انعطافات وتعرجات، والمهمة على ما يبدو، ستُنجز على مراحل متعاقبة، وتستلزم موجات متلاحقة من الانتفاضة والثورة ... لا شيء سيحدث دفعة واحدة، لا تطور ثورياً كفيلاً بنقل العراق من مكان لآخر يمكن أن يحدث كثمرة لانتفاضة واحدة ... طريق العراق للتغيير، سيكون محصلة جملة من الإنجازات المتواضعة، والخطوات الصغيرة، ولكن المتراكمة ... غياب «القديم» عن المشهد العراقي لن يكون ممكناً دون ولادة «الجديد»، لكن من أسفٍ مرة أخرى، فإن «القديم» يأبى المغادرة و»الجديد» ما زال تنتظره ولادة عسيرة والأرجح أن تكون «قيصرية» ... سيما بغياب حاضنة عربية أو إقليمية دافئة، وفي ظل إهمال دولي مريب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طريق العراقيين الشائك للتغيير طريق العراقيين الشائك للتغيير



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 18:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 19:15 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 02:35 2014 الأحد ,12 تشرين الأول / أكتوبر

معهد "نعمان" يعيش على إيقاعات مسابقة الرقص الأمازيغي

GMT 06:34 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

أودي تكشف عن سياراتها 2.0Q2 TFSIبخدمات مميزة

GMT 02:58 2016 الثلاثاء ,02 آب / أغسطس

إيساف ينشر صور تحضيره لكليب أغنية "الحقيقة"

GMT 01:44 2017 الثلاثاء ,19 أيلول / سبتمبر

ريهام حجاج تعد جمهورها بمفاجأة في "رغدة متوحشة"

GMT 04:28 2017 الثلاثاء ,28 آذار/ مارس

غدير موسى تبدع في تصميم المشاريع العقارية

GMT 03:45 2016 الإثنين ,03 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "هيونداي" تطلق "جينسيس G90" الفارهة المميزة

GMT 14:51 2016 الجمعة ,30 كانون الأول / ديسمبر

أسعار العملات العربية والدولية مقابل الدرهم المغربي

GMT 02:35 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نائب رئيس الوزراء اليمني يلتقي المبعوث الأممي

GMT 02:38 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"الوصية" مسلسل كوميدي يجمع "أبوحفيظة" ومقدم "البلاتوه"

GMT 10:17 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

جد يرمي حفيده الصغير بفرن ساخن في روسيا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca