الصراع على «المنطقة ج»

الدار البيضاء اليوم  -

الصراع على «المنطقة ج»

بقلم : عريب الرنتاوي

 تعهّد رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد اشتية، بتحويل كامل الضفة الغربية إلى منطقة (أ) وفقاً لتقسيمات أوسلو وتصنيفاته، الأمر الذي يعني محو الخرائط الوهمية بين مناطق الضفة الغربية الثلاث، ومد سيادة السلطة الفلسطينية الأمنية والمدنية على هذه المناطق ... مثل هذا «التعهد» يصلح أن يكون شعاراً لمرحلة نضالية كاملة، ولا أحسب أن اشتية بغافل عن القيود والمصاعب التي تحول دون ترجمة شعاره.
في المقابل، يحتدم الجدل داخل معسكر اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل حول مستقبل الضفة الغربية، وصمت أمريكي متواطئ ... فريق يريد إخضاع كامل الضفة الغربية لأحكام «المنطقة ج» وفقاً للتقسيمات والتصنيفات ذاتها، توطئة لضمها ... فيما ائتلاف اليمين المتطرف بزعامة إيليت شاكيد، يتعهد لناخبيه بضم «المنطقة ج» إن فاز في الانتخابات، وهو المطلب الذي يدعمه نتنياهو من منظور عقائدي وانتخابي سواء بسواء.
الصراع يحتدم على «المنطقة ج» التي تتشكل من 60 بالمائة من إجمالي مساحة الضفة، وتضم قرابة ربع مليون فلسطيني كما أوضحنا في مقال سابق في هذه الزاوية .... تتركز فيها جميع مستوطنات الاحتلال، وتشكل «مجالاً حيوياً» للاستيطان اليهودي الزاحف، وتتّبع إسرائيل فيها سياسات وإجراءات، تقوم على التهجير القسري والقضم المتدرج والاقتطاع المنهجي المنظم لأجزاء متزايدة منها.
لا ندري كيف ستكون نتائج انتخابات الكنيست القادمة، وما إن كان سيكون بمقدور نتنياهو أن يشكل حكومة يمينية متطرفة، وهو احتمال لا يجوز بحال إغفاله أو إسقاط من الحسبان، فإن حصل أمرٌ كهذا، فمن المرجح أن يكون القرار الأول للحكومة المقبلة، ضم «المنطقة ج» أو مساحات واسعة منها، حيث سبق لإسرائيل أن حصلت على ضوء أخضر لقرار من هذا النوع، من كبار أركان إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذين تحدث بعضهم مدفوعاً بـ»الإيديولوجيا» عن «حق» إسرائيل في الضم، وبرر بعضهم الآخر الأمر بدوافع أمنية براغماتية، فيما فريق ثالث، عبر عن قناعته بأن قراراً من هذا النوع، لا يتعارض مع مقتضيات «صفقة القرن» ومندرجاتها.
وحتى في حال تشكيل «حكومة وحدة وطنية» بين الليكود و»أبيض أزرق» وغيرهما، فليس مستبعداً أن يكون ضم الكتل الاستيطانية ونطاقها «الحيوي»، من بين أول وأهم القرارات التي ستتخذها تلك الحكومة ... ربما يدور نقاش أو يندلع خلاف حول مساحة المناطق التي يتعين ضمها، وما إن كان قراراً كهذا، سيُعجّل أم سيبطئ عملية «الانفصال» عن الفلسطينيين، وهي المقاربة التي يفضلها «أبيض – أزرق»، ودائماً في سياق الجدل حول «التهديد الديموغرافي» وثنائية «يهودية الدولة وديمقراطيتها.
بعد اطمئنانها لتحول الموقف الأمريكي من قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وحصولها دفعة واحدة على جملة من «الهدايا المسمومة» مثل «الدولة» والقدس واللاجئين والأونروا والجولان وحرب التجويع والحصار التي تشنها واشنطن على السلطة والمنظمة، لم يبق أمام إسرائيل سوى هدف استراتيجي واحد، حتى تكتمل حلقات مشروعها الاستيطاني – الاستعماري: ضم أوسع مساحة من الضفة الغربية (منطقة ج في الغالب) بأقل عدد من سكان البلاد الأصليين (الفلسطينيين) ... المعركة تنعقد هنا.
لم يعترف العالم بخطوات واشنطن وتل أبيب العدوانية أحادية الجانب، ولن يعترف بها الفلسطينيون الذي يتعمق رفضهم لصفقة القرن، ويتعاظم إصرارهم على إحباطها يوماً إثر آخر... وثمة من التطورات المحيطة بفلسطين، ما يرفع الأمل بتزايد فرص إسقاط الصفقة، بعد أن أخفق كوشنير في خلق «الإطار الإقليمي» لحل القضية قافزاً من فوق رؤوس الفلسطينيين أنفسهم، وفي ظل مؤشرات على فشل أمريكي محتوم في الخليج، بما يعيد «توزين» أدوار القوى الإقليمية، وبصورة لا تنسجم مع متطلبات الحل الأمريكي.
إن صمدت إيران في وجه أعتى حملات الحصار الأمريكية عليها، فمعنى ذلك ببساطة أن الرهانات على الجواد الأمريكي ستكون قد تداعت، ونقول «إن صمدت» إيران وليس «إن انتصرت»، إذ يكفي أن تخرج طهران باتفاق مع واشنطن على قاعدة «رابح – رابح»، حتى يكون ذلك كافياً للقول بفشل مشاريع هذه الإدارة جميعها، دفعة واحدة: الناتو العربي، مؤتمر وارسو، توسيع الشقة بين ضفتي الخليج، الإطار الإقليمي، ورشة المنامة بما هي أولوية الاقتصاد على السياسة ... هي إذا، مفارقة غريبة عجيبة، بعض الفلسطينيين والعرب ممن يعارضون صفقة القرن، باتوا يدركون في قرارة أنفسهم على أقل تقدير، أن مصير هذه الصفقة بات مرتبطاً، من بين عوامل أخرى، بنتائج المواجهة الأمريكية الإيرانية ومآلاتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع على «المنطقة ج» الصراع على «المنطقة ج»



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 12:24 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

عودة الإلترات

GMT 07:22 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

زوري أيسلندا للتمتع بمغامرة فريدة من نوعها

GMT 01:38 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

ميغان ماركل تنوي شكر صديقاتها في حفلة زفافها الثانية

GMT 06:54 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يوضّح كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 05:59 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

5 حيل ذكية لتهدئة بكاء الطفل سريعًا

GMT 12:20 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

حسين فهمي وشيري عادل يفضلان الرسم ومحمد رمضان يعشق الرياضة

GMT 00:17 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بريطانية تتيح درجة البكالوريوس في "البلايستيشن"

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 12:35 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

توقيف محامي في تطوان مُتهم بتزوير أختام الدولة

GMT 04:53 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

طرق ترطيب الشعر الجاف في فصل الصيف

GMT 07:22 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

"لاند روڤر" تُطلق أوّل سيارة كوبيه فاخرة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca