أخر الأخبار

عن الثورة والدولة في التجربتين الإيرانية والجزائرية

الدار البيضاء اليوم  -

عن الثورة والدولة في التجربتين الإيرانية والجزائرية

بقلم - عريب الرنتاوي

الجزائر تغادر مرحلة «الشرعية الثورية»، وتسعى في دخول عصر «الشرعية الديمقراطية»، شرعية صناديق الاقتراع التي لا شرعية خارجها ... المرحلة الأولى، استمرت لما يقرب من ستة عقود (1962 – 2019)، هذه فترة أكثر من كافية للانتقال من لحظة الثورة إلى مرحلة الدولة ... الثورة انقطاع في التاريخ، هدفها الإجهاز على «القديم» وتمهيد الطريق لانبثاق «الجديد»، والجديد في الحالة الجزائرية هو التخلص من الاستعمار الفرنسي المديد والمرير وتصفية إرثه وقواعد ارتكازه، وهذا حصل إلى حد كبير، إن لم يكن تحقق بشكل كامل ... لا شعب على وجه البسيطة يمكنه أن يعيش في ثورة مستمرة، أو «ثورة دائمة» وفقاً لتعبيرات ليون تروتسكي ... يتعين على الثورة في مرحلة ما أن تضع أوزارها مفسحة المجال أمام عمل جماعي دؤوب لإعادة بناء مؤسسات الدولة والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... هذه سنة الحياة.
هل ثمة من درس يمكن تعلمه من التجربة الجزائرية، وتحديداً من قبل الإخوة الإيرانيين؟.
في ظني نعم، هناك دروس كبيرة يمكن تعلمها، وكنت تناولتها قبل الحدث الجزائري، وسأتناولها اليوم بقدر أعلى من الثقة في ضوء التجربة الجزائرية المُعاشة، والتي تتوالى فصولها بسرعة مذهلة أمام ناظرينا، وأبدأ بالقول:
إن إيران بخلاف الجزائر، لم تكن ثورة ضد مستعمر، بل ثورة ضد «عدو داخلي»، صحيح أن شاه إيران احتفظ بعلاقات وطيدة مع الغرب والولايات المتحدة بخاصة، بيد أنه لم يكن «دمية» في أيديهم، بل قاد مشروع «امبريالية من الحجم المتوسط»، أو «إمبريالية إقليمية»، وهو قاد إيران صوب التحديث الصناعي و»التمدين» وتنويع مصادر الدخل و»العصر النووي» ... الانتقال من الثورة إلى الدولة في الحالة الجزائرية، يمكن أن يكون أصعب بكثير من الحالة الإيرانية، سيما وأن الجزائر خضعت لنمط خاص من الاستعمار المديد، استهدف ضمها وإلحاقها وتبديد هويتها القومية والدينية والثقافية واللغوية سواء بسواء.
ثمة بعد «ديني» أساسي مكوّن لخطاب كلتا الثورتين ... في الجزائر، الإسلام بطبعته السنية، كان جزءاً مكوناً من «الهوية الوطنية»، فلا تمييز بين عروبة الجزائر وإسلاميتها ... لكن البعد الوطني/القومي كان مهيمنا على خطاب الثورة الجزائرية وسياساتها وممارساتها، ولم تجعل من «إسلاميتها» مدخلاً لـ»تصدير الثورة»، دعم الجزائر لحركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا، ليس شكلاً من أشكال «تصدير» الثورة على الاطلاق، ولا يمكن وضعه في هذا السياق.
في إيران، نهض خطاب الثورة على «الإسلام بطبعته الشيعية»، وتحول الدين إلى محرك رئيس من محركاتها، وأساساً لتشكيل نظامها السياسي الخاص، نظام «ولاية الفقيه» ... والأهم من هذا وذاك، أنه شكل مدخلاً لشعار «تصدير الثورة»، واللعب على وتير «الأقليات» المذهبية، توطئة لمد النفوذ الإقليمي وامتلاك التوازن الاستراتيجي في الصراع مع عواصم ومحاور منافسة أخرى، تنتمي للأغلبية السنيّة في العالمين العربي والإسلامي ... مهمة إيران للانتقال بثورتها إلى ضفاف الدولة، تبدو أصعب بكل المعايير من مهمة الجزائر.
انتقال الجزائر من عصر الثورة وشرعيتها إلى عصر الدولة ومؤسساتها وقواعدها وقانونها، استغرق فترة طويلة من الوقت، من أسباب ذلك، العشرية السوداء وانتشار المد الأصولي وسنوات الركود البوتفليقي» ودور «المخزن» و»الجنرالات» ... من المبكر الحكم الآن، ما إذا كانت إيران ستحتاج إلى ستة عقود كما الجزائر لإنجاز هذا الانتقال، أكثر أم أقل، بيد أن من المؤكد أن الداخل الإيراني يبدو أكثر استعصاء على الانتقال، فيما ضغوط الخارج قد تعجل أو تستأجل المسار الانتقالي لإيران من الثورة إلى الدولة ... لكن المؤكد أن الإيرانيين، لديهم من الدروس الجزائرية، ما يكفي لتسريع هذا التحول، وإنجازه بقدر أقل من الكلف والتضحيات، إن توفرت الإرادة والدراية لفعل ذلك، فهل هم فاعلون؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الثورة والدولة في التجربتين الإيرانية والجزائرية عن الثورة والدولة في التجربتين الإيرانية والجزائرية



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 07:43 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:10 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

المغرب يقرر حفر بئر ثالثة في تندرارة بعد تأكد وجود الغاز

GMT 01:43 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

محمد القرالة يوضح أن الصورة الصحافية تؤثر على المجتمع

GMT 21:44 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

فرنسا تحث تشاد على إجراء الانتخابات

GMT 13:03 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

ناردين فرج تشعل "ذا فويس" بإطلاله مثيرة وأنيقة

GMT 13:32 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

فضيحة أخلاقية بطلها مسؤول في حزب بارز تهز وزان

GMT 08:50 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أنواع الثريات وأشكالها هدف الباحثين عن الرفاهية

GMT 02:44 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

فنانون ونقاد يرصدون أسباب اختفاء ظاهرة المخرج المؤلف

GMT 11:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

تعرف علي سعر الدرهم المغربي مقابل الريال العماني الثلاثاء

GMT 07:15 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

"إتش آند إم" تكشف عن علامة جديدة تستهدف جيل الألفية

GMT 18:06 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

مفاجأة سارة للراغبين بالتعاقد في قطاع التعليم المغربي

GMT 12:04 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

رشيد برواس يتراجع عن قرار اعتزاله لمساعدة فريقه

GMT 07:43 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

حمدي الكنيسى ينعى الإعلامية سامية صادق بكلمات مؤثرة

GMT 11:48 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

وفاة نجم الزمالك السابق أحمد رفعت بعد صراع مع المرض

GMT 04:04 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

علي الديك ينفي الأنباء بشأن الخلاف مع شقيقه حسين

GMT 05:18 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولي المغربي حكيم زياش يتألق مجدداً في كلاسيكو هولندا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca