عن «إخوان» سوريا ... و«إخوانهم»

الدار البيضاء اليوم  -

عن «إخوان» سوريا  و«إخوانهم»

بقلم - عريب الرنتاوي

في لهجة أقرب للاستغاثة و»طلب الشفاعة» أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بياناً حثت فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمضي قُدماً في مشروعه «إنشاء منطقة آمنة» في شمال سوريا، فلا أمن ولا أمان إلا بوجود الجيش التركي وحلفائه في هذه المناطق، ولا خلاص وطنياً إلا باجتياح تركي ثالث للأراضي السورية بعد اجتياحي «درع الفرات، جرابلس – الباب» و»غضن الزيتون - عفرين».
سنضرب صفحاً عن الاتهامات الموجهة للجماعة باستدعاء «احتلال أجنبي» لأرض سورية عربية، مع أنه لا معنى لهذا البيان غير ذلك، وسنعود لما كنا قد ذهبنا إليه في مقالات سابقة، عن إخوان سوريا وغيرهم بخاصة، وعن «الإسلاميين» بعامة، سنّة وشيعة، من حديث عن ضعف «المكون الوطني/القومي» في خطاب الجماعة، لصالح مفهوم ملتبس وفضفاض عن «الأمة الإسلامية» ... نعود للسؤال والتساؤل: هل الاحتلال الأجنبي يصبح شرعياً ومشروعاً، حين يأتي من دولة ترفع راية إسلامية؟ ... وهل يحق لجماعة أن تتنكر للدولة الوطنية، بما هي إقليم وسيادة ووحدة ترابية واجتماعية، لتحقيق غاياتها ومآربها، وما علاقة هذه النظرية، بنظرية «الهجرة إلى الجماعة الناجية»، أليست تفريعة من تفريعاتها، وإن بأشكال مختلفة، وحجج وذرائع أخرى؟
هل غابت عن الإخوان مواقفهم السابقة من تركيا – الكمالية (الأتاتوركية – العلمانية) عندما كانت لهم بمثابة الشيطان الرجيم، وكانت أطماعها في الإقليم السوري غير خافية على أحد بمن فيهم إخوان سوريا؟ هل تبدل «الجيوبوليتك» بمجرد وجود حزب ذي «مرجعية إسلامية» على رأس الحكم في تلك البلاد؟ ... وهل يبرر ذلك كله، التفريط بمفهوم السيادة والاستقواء بالأجنبي، وتغليب «الأممي – الإسلامي» على «الوطني / القومي»؟
ليس لدينا شك في ذلك أبداً، فلطالما كانت «القومية» عصبية مرذولة في خطاب الجماعة الإسلامية، بوصفها نقيض الوحدة الإسلامية، وتعاكس مفهوم «الأممية الإسلامية» ... شأنها في ذلك شأن الأحزاب الشيوعية في غابر الأزمان، عندما كانت الأولويات تقاس عندها، بمصالح «وطن الاشتراكية الأول» ونظرية «الأممية البروليتارية»، حتى وإن أفضى الأمر إلى الانتحار كما حصل مع الحزب الشيوعي (حلّ نفسه) أو غيره من الأحزاب التي ضبطت خطواتها على إيقاع السياسات السوفياتية في المنطقة... حتى وإن قادت تلك السياسات والنظريات إلى نحر المصالح الوطنية على مذبح «الكومنترن».
وصادف أن موقف إخوان سوريا، تزامن مع موقف مماثل لـ» إخوان فلسطين»، فحماس، ومعها الجهاد الإسلامي، ما زالتا تجادلان في وحدانية التمثيل الفلسطيني وشرعيته، لمجرد أن «الجماعة» خارج إطار المنظمة، التي ظلت بالنسبة للفلسطينيين وطنهم الافتراضي إلى أن يتحرر وطنهم الحقيقي ... في تجربة أخرى لأولوية الجماعة على الدولة والمجتمع، واختبار جديد لنظرية «التمكين»، وربما في نكوص إلى نظرية «الهجرة إلى الفرقة الناجية» في طبعتها الجديدة.
وليت أن الأمر وقف بإخوان سوريا عند هذا الحد، فهم غارقون اليوم في هجمات منظمة ضد التيار العلماني في المعارضة السورية، وتحميله المسؤولية الجسيمة عمّا آلت إليه «الثورة السورية»، ضاربين صفحاً عن داعش والنصرة وحراس الدين وأنصاره، وعن ممارساتها «الاحتكارية» زمن «المجلس الوطني السوري» قبل أن تجري مياه كثيرة في الأنهار السورية، ويفقد الإخوان دورهم المقرر في أطر المعارضة ومراكز صنع القرار فيها، إن كان لها قرار ومراكز لصنعه.
والخلاصة التي يصل إليها المتتبع لأداء كثير من الجماعات المحسوبة على «الإسلام السياسي»، بما فيها الإخواني، أن القوم لا يتعلمون من تجارب غيرهم ولا من تجاربهم، وأن آخر ما يضغط على جدول أعمالهم، هو إجراء المراجعات الضرورية لتجاربهم المخفقة في الحكم ... مراجعة تطاول أساسيات هذا الخطاب ومرجعياته، ولا تكتفي بنقد خجول وناقص لهذا السلوك أو تلك الممارسة.
لقد آن أوان المراجعات الكبرى، عند الإخوان وغيرهم من التيارات السياسية والفكرية، فإن كانت تجربة الفشل في السنوات الثمانية الماضية، غير كافية لاشتقاق الدروس الصحيحة، فمتى سيصبح ممكناً الوصول إلى الخلاصات المنشودة، والأهم صياغة الرؤى المستقبلية التي تخرج هذه المنطقة بدولها وشعوبها من مستنقع التفكك والانحدار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «إخوان» سوريا  و«إخوانهم» عن «إخوان» سوريا  و«إخوانهم»



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 12:24 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

عودة الإلترات

GMT 07:22 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

زوري أيسلندا للتمتع بمغامرة فريدة من نوعها

GMT 01:38 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

ميغان ماركل تنوي شكر صديقاتها في حفلة زفافها الثانية

GMT 06:54 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يوضّح كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 05:59 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

5 حيل ذكية لتهدئة بكاء الطفل سريعًا

GMT 12:20 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

حسين فهمي وشيري عادل يفضلان الرسم ومحمد رمضان يعشق الرياضة

GMT 00:17 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بريطانية تتيح درجة البكالوريوس في "البلايستيشن"

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 12:35 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

توقيف محامي في تطوان مُتهم بتزوير أختام الدولة

GMT 04:53 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

طرق ترطيب الشعر الجاف في فصل الصيف

GMT 07:22 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

"لاند روڤر" تُطلق أوّل سيارة كوبيه فاخرة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca