عرب وفرس وأتراك

الدار البيضاء اليوم  -

عرب وفرس وأتراك

بقلم : عريب الرنتاوي

تمضي طهران في دفاعها عمّا تعتقده حقاً ومصلحة لها، غير آبهة بحشد لأساطيل ولا استنفار الجند في قواعدهم المنتشرة حولها ... تقاوم العقوبات وتعمل على الالتفاف من حولها ... لا تكف عن توجيه الرسائل الخشنة، بالأقوال والأفعال كما حصل في مياه الخليج وجنوب السعودية (الحوثيين) ... ترفض المفاوضات مع واشنطن، ما لم تتأكد من «سلامة» نتائجها مسبقاً ... تخوض غمار حوارات صعبة ومريرة مع الاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي وآليات التبادل التجاري البديلة ... تلتقي مع روسيا وتختلف معها ... تنفتح على الصين وتوسع علاقاتها مع أفريقيا وأمريكا اللاتينية ... تحتفظ بأوراقها قريبة من صدرها، ولا تكشف عن أي منها، إلا بمقدار وفي الوقت المناسب ... هكذا تفعل الدول المسكونة بهاجس السيادة، بصرف النظر عن اختلاف المواقف وتباين التقديرات بشأن منسوب الصواب والخطل هذه السياسات.
على مقربة منها، تفعل تركيا شيئاً مماثلاً ... تمضي حتى نهاية الشوط في صفقة «إس 400»، غير آبهة بتهديدات الأمريكي التي لا تتوقف ... تمضي قدما في التنقيب عن النفط في شرق المتوسط وشمال جزيرة قبرص، غير مكترثة بالعقوبات الأوروبية، بل ومُستخفة بها ... تحاول في سوريا تنفيذ أجندتها بالضد من روسيا وإيران والولايات المتحدة سوية ... تسجل اختراقات في علاقاتها مع دول العالم أجمع ... تتجه شرقاً من دون أن تفقد أفضليتها في الغرب ... وتبقى في الناتو من دون أن تهتز علاقاتها مع طهران ... تحتفظ بأوثق العلاقات التجارية والسياحية مع إسرائيل من دون اكتراث بما يمكن أن يترتب على ذلك من «انفعالات» في أوساط بعض حلفائها ... السياسة التركية تنبع مما تعتقده أنقرة حقاً ومصلحة لها، شأنها في ذلك شأن إيران، أياً كانت العواقب والنتائج ... وأياً بلغت درجة رضى أو غضب هذا الحليف أو ذاك الخصم.
إلا نحن العرب، نذهب غير راغبين إلى حيث يريدنا «الحلفاء» أن نذهب... ندفع أضعاف أثمان البضائع التي نستوردها، سيما العسكرية منها، لأن أصحابها هم وحدهم من يقرر السعر ودول المنشأ ... هم يقررون ما الذي يلزمنا وما الذي لا يتعين علينا امتلاكه ... مضطرون لاسترضاء هذه المراكز، ... لا نملك قرار الحرب والسلام، ونخوض معارك الآخرين في كل مكان ... لا مشروع عربياً محدداً أو واضح المعالم، خلافاتنا البيْنية أقوى من خلافاتنا مع أخصامنا وأعدائنا... دولنا مزروعة بالقواعد والأساطيل والجنود متعددي الجنسيات ... قرارات مؤسساتنا القومية على مختلف المستويات، حبر على ورق، لا أحد يتوقف عندها ولا أحد يأخذها على محمل الجد.
ومع ذلك، نشكو تغوّل إيران في دواخلنا، ونحملها وزر زعزعة الأمن والاستقرار، ونهجو صبح مساء مشروعها «الفارسي/الصفوي» ... نشكو «طورانية» تركيا و»عثمانيتها الجديدة»، ونحملها وزر الخراب المقيم في بعض دولنا ومجتمعاتنا ... متناسين عن حقيقة أن «غيابنا» هو الذي أفسح في المجال لـ»حضورهم» ... وأن المجتمعات كما الطبيعة، تكره الفراغ ... نحن من خلق الفراغ، وهم من ملأوه، وها نحن اليوم نشكو حضورهم المهيمن، ولا نجد وسيلة للخلاص منه.
من يتتبع المعارك الكبرى التي تخوضها كل من طهران وأنقرة، يشعر بالخجل من الحال الذي آل إليه العرب في مفتتح القرن الحادي والعشرين، ويتمنى لو أن عقارب الساعة تعود لأكثر من نصف قرن للوراء، عندما كان يحسب لنا بعض الحساب على أقل تقدير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عرب وفرس وأتراك عرب وفرس وأتراك



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 14:23 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عبدالرحيم الوزاني يطالب لقجع بجلب مقر "الكاف" إلى المغرب

GMT 19:03 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

فيلم «نائب».. عبقرية الكوميديا السوداء

GMT 21:54 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

أفضل زيوت تدليك الجسم و المساج

GMT 09:41 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

عماد متعب ويارا نعوم يكشفان أسرار حياتهما في "كل يوم"

GMT 21:47 2017 الجمعة ,07 إبريل / نيسان

إدارة السجون تكشف وضع على عراس في "تيفلت 2"

GMT 09:56 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الجزائرية الصادرة الأربعاء

GMT 14:26 2017 الإثنين ,12 حزيران / يونيو

التدليك الحل السحري للتخلص من المشكلات الصحية

GMT 02:23 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

كولم كيليهر يؤكد أنّ المملكة السعودية سوق جاذبة للاستثمار

GMT 08:30 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

حملة أمنية على محلات درب عمر بسبب الدمى الجنسية

GMT 00:14 2015 السبت ,28 شباط / فبراير

استخدمي طرقًا بسيطة للحصول على فضيات مميزة

GMT 15:48 2016 السبت ,02 إبريل / نيسان

الزواج المبكر فى مصر يتراوح بين 13-15%
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca