ملاحظات أولية حول «خطبة الوداع»... (2-2)

الدار البيضاء اليوم  -

ملاحظات أولية حول «خطبة الوداع» 22

بقلم - عريب الرنتاوي

في خطابه المطوّل أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير، قطع الرئيس محمود عباس ثلاثة أرباع الطريق نحو صياغة ملامح استراتيجية المرحلة الفلسطينية المقبلة، على أن العبرة الأهم تبقى في تنزيل القرارات والتوصيات من فضاء المجرد إلى الواقع المُعاش، وهو أمر تحيط به الكثير من الشكوك، في ضوء التجربة الفلسطينية المتراكمة، خصوصاً في العشرية الأخيرة من عمر النضال الوطني الفلسطيني بقيادة الرئيس عباس نفسه.
الرئيس جدد رفضه لمشروع ترامب من نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وصولاً إلى “صفعة العصر”، منهياً حالة الانفراد والتفرد الأمريكية برعاية عملية السلام والوساطة في المفاوضات، معيداً المسألة برمتها إلى مربع “التدويل” ... والرئيس أعلن نهاية المسار الانتقالي (أوسلو وباريس)، باعتبار أن إسرائيل هي من “قتلت” هذه العملية، وأن تحللها من التزاماتها يملي تحللاً فلسطينياً مقابلاً داعياً للانتقال بالسلطة إلى “دولة” والتصرف على هذا الأساس، ودعوة المجتمع الدولي للتصرف على هذا الأساس... والرئيس أظهر استمساكاً محموداً بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني كما أقرت في مجلس 1988، وتعهد المضي في مشوار استكمال عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية، وملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية السياسية والحقوقية والدبلوماسية، والاستمرار في قرع أبواب مجلس الأمن الدولي للاعتراف بالدولة تحت الاحتلال ... والرئيس استرجع حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، مشدداً على المقاومة الشعبية السلمية، التي اعتبرها ونعتبرها، الشكل الأنسب لمواصلة الكفاح من أجل الحرية والاستقلال... والرئيس جدد العزم على مواصلة مسيرة المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية باعتبارها ركيزة من ركائز الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية ... والرئيس تعهد نفض الغبار و”الشيخوخة” عن منظمة التحرير وهياكلها ومؤسساتها، وهذا مطلب وطني قديم – جديد – متجدد، لا يتعين التهاون في إنجازه أو التباطؤ.
يؤخذ على الخطاب أنه جاء متأخراً سنوات عديدة عن موعده واستحقاقه، وهذا صحيح، لكن أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل ... ويؤخذ على الخطاب أنه أهمل المراجعة النقدية للتجربة السابقة، فبدا أن كل ما قامت به السلطة بقيادته، كان صحيحاً  من قبل وهو صحيح اليوم وصحيح غداً، وهذا المأخذ في محله، لكن في السياسة يجري العمل بقاعدة “جني العنب وليس قتل الناطور”، وما قارفه الرئيس من تجاهل للتجربة السابقة، تقارفه مختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني التي ينضح خطابها بعبارات وبيانات يُفهم منها أن ليس للتاريخ وتطور الأحداث من وظيفة سوى البرهنة على صحة مواقفها وتوجهاتها السابقة والحالية واللاحقة كذلك ... ويؤخذ على الخطاب أنه بدا كما لو كان تحليلاً سياسياً، وليس بلاغاً من القائد الأعلى لشعبه، حول عناوين المرحلة المقبلة وما الذي يتعين فعله، ومتى وكيف، وهذا أمرٌ فيه ما فيه، رغم أن الخطاب استبطن الكثير من عناصر الاستراتيجية المقبلة، أوضح بعضها وألمح إلى بعضها الثاني ودار حول بعضها الثالث... ويؤخذ على الخطاب أنه افتقر لآليات تنفيذ المهام وجداولها الزمنية ومعايير لقياس التقدم والانجاز، الإخفاق والتراجع، وهذا صحيح، وإن كنا نأمل بأن تتولى المؤسسات والقوى والفصائل أمر المتابعة والضغط لبلورة آليات ترجمة هذه الأهداف والمهام الجسام التي تحدث عنها الخطاب أو تجاهلها ... ويؤخذ على الخطاب، أنه “لم يحرق سفنه” ولم يقطع كلية مع المرحلة الماضية، وفي السياسة ليس هناك شيء اسمه “حرق السفن” إلا عند التفكير بخيار هدم المعبد، أو ما يعرف بـ “خيار شمشون”، والوضع العربي والإقليمي والدولي، لا يسمح بالقطع والقطيعة، وإن كان يملي أشكلاً مختلفة من العمل والنضال، وترتيباً جديداً لأولويات الوسائل والأهداف، وهذا أمرٌ يستوجب المزيد من الملاحقة والمتابعة والضغط والتحشيد، وهي مهمة لن تكون متروكة، ولا يجب أن تترك للرئيس ولا للقيادة الفلسطينية وحدهما، بل هي مسؤولية الشعب بكل أطره وفصائله وقواه الحيّة كذلك.
نبرة المراوحة (والانتقال) بين استراتيجيتين، استراتيجية “المفاوضات حياة” واستراتيجية “رفع كلفة الاحتلال” التي كررها الرئيس في أكثر من موقع في خطابه، كانت واضحة تماماً ومبثوثة بين سطور الخطاب وكلماته ولغة الجسد التي لا يمكن فهم الخطاب من دون الإمعان في فهمها، وهي مفهومة إلى حد كبير، في ضوء حالة التردي التي آلت إليها الحالة الفلسطينية، والتي يتحمل الرئيس شخصياً، قسطاً وافراً من المسؤولية عنها ... بهذا المعنى، يمكن للخطاب، ولقرارات المجلس المركزي وتوصياته، أن يشكل مدخلاً لموجة جديدة من النضال من أجل بلورة أعمدة الاستراتيجية الوطنية البديلة، وتطويرها واستكمالها، ومن أجل بناء توافقات وتفاهمات وطنية عريضة، حول آليات العمل والترجمة وأشكال النضال المقترحة وأدواته، وتقاسم الأدوار والوظائف والمهام بين مكونات “الكل الفلسطيني” ... يمكن للخطاب أن يُرسي حجر الأساس للمرحلة القادمة، على أن قيادة تلك المرحلة بنجاح، وضمان تحقيق أهداف ومرامي الاستراتيجية الفلسطينية الجديدة، يقتضي التفكير بـ”نفضة” في المؤسسات والأطر القيادية والتمثيلية، وقواعد الشراكة الفلسطينية الداخلية الجديدة، والأهم البحث عن (وتطوير) حوامل اجتماعية تتولى النهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني في السنوات والعقود القادمة.
والخلاصة، أن الخطاب بما له وما عليه، يشكل نقلة هامة في “وعي القيادة الفلسطينية لشروط المرحلة وملامح المرحلة الاستراتيجية الجديدة” التي تتنظر الشعب الفلسطيني ... ويمكن القول، أنه يؤسس سياسياً لصفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية الداخلية، وقد يمهد لدخول الفلسطينيين عتبات مرحلة نوعية جديدة في نضالهم من أجل الحرية والاستقلال، متخففة من ثقل الرهانات البائسة واليائسة ... لكن العبرة من قبل ومن بعد، تكمن في توفر شرطين اثنين: الأول: أن المرحلة الجديدة تستوجب تقديم رموز وقيادات جديدة، فلا يمكن لمن يتحمل المسؤولية عن كارثة الرهانات الفاشلة والطرق المسدودة التي فاض بها الخطاب واستفاض في شرحها، أن يعاود قيادة المرحلة الجديدة، وكأن شيئاً لم يكن، هنا يبدو المشهد الفلسطيني بحاجة لـ”ثورة في الثورة”، ثورة بيضاء متدرجة، ترفع جيلاً جديداً من القيادات الشابة والواعية والملتزمة إلى سدة القرار وصنع السياسات ... والثاني؛ يرتبط بالأول أشد الارتباط، ويتعلق بترجمة هذه التوجهات والقرارات والتوصيات ونقلها إلى حيز التنفيذ، وعدم إبقائها عالقة في فضاء الإرجاء والتسويف والعجز والمماطلة، وربما بانتظار “عودة الروح” للرهانات الخائبة السابقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاحظات أولية حول «خطبة الوداع» 22 ملاحظات أولية حول «خطبة الوداع» 22



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca