عن «التجمع الديمقراطي».. شيء من التاريخ (2-2)

الدار البيضاء اليوم  -

عن «التجمع الديمقراطي» شيء من التاريخ 22

بقلم - عريب الرنتاوي

لم يكتب لتجربة «التحالف الديمقراطي» النجاح... الجبهة الشعبية ذهبت في خيار التحالف مع فصائل محسوبة على دمشق، في إطار ما عرف باسم «جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية»، رداً على «مجلس عمان» واتفاق شباط 1985، فيما واصلت الجبهة الديمقراطية سعيها لإعادة ترتيب علاقاتها مع منظمة التحرير، ومنذ تلك المحاولة لم يكتب لليسار الفلسطيني الانخراط في تجربة توحيدية أو ائتلافية جديدة، على الرغم من المصاعب والتحديات التي جابهت العمل الوطني والقضية الفلسطينية.

ومع اندلاع الانتفاضة الأولى، وظهور حركة حماس، بدا أن توازنات جديدة للقوى آخذة في التشكل على الساحة الفلسطينية ... بدأت قبضة «العمود الفقري» بالتفكك، وبدأ نظام «الأحادية القطبية» المهيمنة على العمل الوطني بالتآكل، لصالح نظام «ثنائي القطبية» تقف حركة فتح على أحد طرفيه وحركة حماس على طرفه الأخر... وزاد انهيار المعسكر الاشتراكي في تراجع دور اليسار الفلسطيني وانحسار نفوذ الأحزاب الشيوعية العربية ... بدا أن اليسار الذي تصارع مع نفسه، حول الموقع الثاني في الحركة الوطنية الفلسطينية، بعد أن عجز في الوصول إلى الموقع الأول، يواجه خطر الاضمحلال على صعيد نفوذه وتمثيله وشعبيته، وهذا ما ستظّهره أول انتخابات فلسطينية عامة في العام 1995، وتكرسه نتائج انتخابات 2006.
فقدت الجبهة الشعبية قيادتها التاريخية «الكارزمية»، رحيل جورج حبش واستشهاد أبو علي مصطفى، ولم تنجح في خلق بدائل وازنة تمكنها من استئناف دورها وتجديده ... وحافظت الجبهة الديمقراطية على قياداتها الشائخة من دون تغيير جوهري يذكر، بعد أن واجهت أول حركة انشقاق أفضت إلى خروج عدد من قادتها وكوادرها أواخر العام 1990... أما الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي سيصبح حزب الشعب الفلسطيني، فقد ظل يراوح في حالة من فقدان الاتجاه، زاد في تأزمها، انشقاق عناصر قيادية عنه، وتشكيلهم ما بات يعرف بالمبادرة الوطنية.
الفصائل الثلاثة التي بدأت تجربة التحالف قبل ما يقرب من الخمسة والثلاثين عاماً، صارت خمسة فصائل، لكن زيادة عدد الفصائل، لم يكن يعني شيئاً سوى تراجع شعبيتها وتمثيلها، وهي حصلت مجتمعة في انتخابات 2006 على ستة مقاعد فقط، من أصل 132 مقعد، وبنسبة تقل عن خمسة بالمائة من إجمالي عدد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني.
مرت أحداث وتطورات نوعية، بالغة الأهمية والخطورة، ولم تكن سبباً كافياً لإقناع «الرفاق» بضرورة نبذ حساباتهم الأنانية، والتخلي عن حساسياتهم الشخصية، فالانقسام لم يكن حكراً على حركتي فتح وحماس، بل كان سيّد الموقف بين فصائل اليسار، التي وإن تشابهت مواقفها وتوافقت في جملة من العناوين، إلا أنها ظلت تؤثر الصراع على الوحدة، ودائماً لحجج وذرائع «معلبة» و»مسبقة الصنع».
والحقيقة أن إخفاق فصائل اليسار في خلق صيغة وحدوية، ائتلافية على أقل تقدير، قد حال بينها وبين استقطاب تأييد وتعاطف، ألوف الشخصيات المستقلة والمثقفين والإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني، ذوي الخلفيات اليسارية، والأقرب فكرياً وسياسياً و»عاطفياً» لهذه الفصائل ... لم تصدر عن هذه الفصائل، مجتمعة أو منفردة، أية مبادرة جادة وجدية، لبناء جبهة عريضة، أو ائتلاف وطني جامع، يعيد الاعتبار من ضمن صيغة ديمقراطية، لإدوار ألوف المستقلين، ومعظمهم قضى ردحاً طويلاً في صفوف هذه الفصائل.
اليوم، تتداعى الفصائل (وانشقاقاتها)، لإطلاق «تجمع ديمقراطي فلسطيني»، في محاولة منها لخلق قطب وطني ثالث، بعد أن استنفذ القطبان المصطرعان فرص المصالحة واستعادة الوحدة، وبعد أن تعاظمت الأخطار والتحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية، وبعد أن ظهر عجز وإخفاق ما أسمي بـ»نهج التفاوض» ووصول «خيار المقاومة» إلى حوائط التهدئة وحواف الرقص على فكرة «الدويلة / الإمارة» ... وجديد هذه المحاولة، أنها تنفتح على قوى وشخصيات وطنية مستقلة، وهو أمرٌ إيجابي، لم تكن تجربة «التحالف في ثمانينات القرن الفائت، قد اختبرته.
لست متفائلاً بفرص نجاح التجربة الجديدة، فالأسباب الذاتية التي قادت إلى فشل التجربة القديمة ما زالت ماثلة، مع فارق إضافي، إن هذه الفصائل تعاني «أزمة قيادة» بغياب زعاماتها التاريخية أو شيخوختها، وعجزها عن خلق جيل جديد من القيادات الشعبية «الكارزمية»، ناهيك عن الأزمات المركبة الأخرى التي تعصف بها، من أزمة المال والتمويل، إلى تحول كادر اليسار وقياداته، إلى موظفين لدى السلطة الفلسطينية، مروراً بتوزع أولوياتها وتفضيلاتها، بين قطبي الانقسام الفلسطيني.
لكنني مع ذلك، لست متشائماً، من الناحية الموضوعية على الأقل، فالخريطةالسياسية والحزبية الفلسطينية، ما زالت تتسع لقطب يساري قوي وفاعل، ولكن ليس بعقلية اليسار القديمة، العقلية الإقصائية- الدوغمائية، ولا بحياته الداخلية غير الديمقراطية، التي مكنت قيادات ورموز من المكوث في مواقعها ومناصبها، عشريات عديدة من السنين، وتلكم وحدها مثلبة وعقبة في طريق تجدد اليسار وتجديد خطابه وتجذير نفوذه وشعبيته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «التجمع الديمقراطي» شيء من التاريخ 22 عن «التجمع الديمقراطي» شيء من التاريخ 22



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca