هل يكون التفكير بـخيار «التساكن» بعد أن استعصت المصالحة وتبددت الوحدة؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل يكون التفكير بـخيار «التساكن» بعد أن استعصت المصالحة وتبددت الوحدة

بقلم - عريب الرنتاوي

لا حاجة لتحميل أطراف خارجية وزر التأزم في مسار المصالحة الفلسطينية، فالأسباب الداخلية التي أفضت للانقسام وتسببت في إدامته كل هذه السنوات، تكفي وحدها لإشاعة مناخات التشاؤم ... لا يعني ذلك أن دول الإقليم ومحاوره، تترفع عن التدخل في الشأن الفلسطيني، أو أنها بريئة من انقسام الفلسطينيين واحترابهم، لكن منظومات المصالح والحسابات التي نمت على جذع الانقسام، تجعل من الصعب استعادة الوحدة، واقتناص لحظة إقليمية مواتية.
ومن يتتبع تعقيدات الأسابيع القليلة الفائتة، التي أعقبت تفاهمات القاهرة، يرى أن أسباب العرقلة تكمن في الداخل الفلسطيني، ويتوزع وزرها طرفا الانقسام أساساً ... فالخلاف يكاد ينحصر في ملف الموظفين والأجهزة الأمنية والحكومة، ولا علاقة للأمر بتباين البرامج واصطراع الأولويات كما يقال ويشاع ... هو صراع الضواري على السلطة، وسط أحساس لطالما سكن الفريقين في مراحل متعاقبة، بأنه قادر على الاحتكام لـ «معادلة صفرية» بينهما.
اليوم، تبدو فتح في موقع الساعي لفرض شروطه ومعاييره على الفريق الآخر، قبلها كانت حماس في الموقع ذاته... كلما تبدلت ظروف الإقليم لصالح فريق دون آخر، كلما عادت «المعادلة الصفرية» لتفعل فعلها من جديد  ... لا أحد أفضل من أحد في هذا المضمار، ولا أحد بمقدوره أن ينسب لنفسه «تفوقاً قيمياً أو أخلاقياً» على الآخر.
عندما انفتحت كوة في جدار الانقسام، وبدا أن المصالحة ممكنة، قلنا في هذا الزاوية، أن «عودة الوعي» بضرورة المصالحة وأهميتها، ليست نابعة من إحساس عميق بالمسؤولية الوطنية، بل توطئة لمشاريع سياسية، تجد عواصم عربية نفسها معنية، بتعبيد الطريق أمامها ... وقلنا أنها ثمرة التقاء فريقين مأزومين ... والمؤسف حقاً، أن إحساس فريقي الانقسام العميق بالأزمة، لم يفض حتى الآن، وقد لا يفضي مستقبلاً، إلى إدراك الحاجة بأهمية «التواضع» أمام بعضها البعض، وتقديم تنازلات «مؤلمة» لشعبهما، بدل أن يضطرا مجتمعين أو متفرقين، إلى تقديمها لخصومهم وأعدائهم، وتلكم لحظة لا تبدو بعيدة.
ثمة قناعة عند كثير من المراقبين، بأن فتح تستشعر أزمة حماس، وحاجتها الماسة للخروج من عنق زجاجة غزة وحصارها وقيودها ... وهي قناعة تجد ما يبررها في «لهاث» حماس المفاجئ صوب القاهرة أولاً ومن ثم صوب رام الله، مروراً بـ «محطة محمد الدحلان» الذي لا يزال قابعاً في زاواية الانتظار ... ومن هذا المنطلق، يرصد المراقبون أنفسهم، تباطوء فتح في الاستجابة لشروط المصالحة، وتفلّت بعض شخصياتها من موجباتها ومستلزماتها ... لكأنهم باتوا على أتم اليقين بأن الحركة ستجثر على ركبيتها أمام السلطة وفتح والرئاسة.
مثل هذا السيناريو، لن يفضي أبداً للمصالحة، بل إلى مراكمة أسباب إضافية للانقسام، وتوليد حالة يأس وإحباط لدى المواطنين الفلسطينيين كافة ... مثل هذه «القاعدة» لا تصلح أساساً لبناء التوافقات الوطنية ... والمصالحة، ومن بعدها الوحدة الوطنية، لا يمكن أن تقوم على «قاعدة غالب ومغلوب»، ولا وفقاً للمعادلة الصفرية ... وحدها معادلة «رابح – رابح» يمكن أن توفر مخرجاً لشعب فلسطين، ولا نقول لفتح أو حماس، فلا قيمة لمصالحة إن لم تصب في صميم مصلحة هذا الشعب وكفاحه العادل وقضيته الوطنية المشروعة.
في المقابل، لم تغادر حماس نظرتها للمصالحة بوصفها وسيلة للخروج من مأزقها في غزة، ومأزق غزة مع سلطتها ... وهي النظرة أن حوّلت السلطة من وجهة النظر الحمساوية، إلى «مظلة» تتلطى بها لاجتياز الامتحان الصعب الذي تتعرض الحركة من ضمن ما تتعرض له تجربة «الإسلام السياسي» عموماً في المنطقة ... والسلطة، كما تراها حماس، فعلاً لا قولاً فحسب، ليست سوى صراف آلي، يعمل مرة واحدة، آخر كل شهر، ليضخ ملايين الدولارات في جيوب وحسابات موظفي حماس الذين زجت بهم بعشرات الألوف في مؤسسات السلطة ودوائرها ... حماس لم تتخل، ولن تتخلى عن «دولتها العميقة» في القطاع، وستفعل ذلك مهما كلف الثمن، ودائماً تحت شعارات «جهادية» براقة، من نوع «المقاومة وسلاحها».
لا فتح بوارد فتح الأبواب والنوافذ لمرور حماس إلى الضفة والمنظمة، ولا حماس بوارد تعبيد الطريق لفتح والسلطة، لاستعادة دور مهيمن على القطاع، وإنفاذ مفهوم «الولاية العامة» لحكومة رامي الحمد الله ولا أية حكومة أخرى قادمة.
تلكم هي المسألة، وهذا هو «مربط الفرس» عند قراءة ظاهرة الانقسام وتداعياتها وامتداداتها ... وحول هذه النقطة بالذات، ومن خلالها، تأتي الأدوار الإقليمية والعربية، لتساعد حيناً في تجسير الفجوات، كما تفعل الوساطة المصرية حتى الآن، أو في تعقيد مسار المصالحة والتلاقي، ولن يعدم الطرفان حجة أو وسيلة للانقضاض على بعضهما البعض، بأكبر الاتهامات وأشدها خطورة.
لا أفق في المدى الفلسطيني المرئي والمنظور، لإنجاز «صفقة شاملة» بين فتح وحماس وبقية الفصائل، لا فرصة لصياغة برنامج وطني مشترك، ولا رؤية موحدة للمؤسسات والنظام السياسي الفلسطيني ... ولا أفق للدعوات التي تطالب بالاتفاق على جميع الملفات، دفعة واحدة، بوصفه شرطاً للمصالحة وأساساً لاستعادة الوحدة الوطنية ... مثل هذه النظرية، اختبرت وسقطت، وهي تفترض أن ثمة خلاف سياسي وإيديولوجي يباعد ما بين الطرفين، وأنه ما ان يتفقا على عناوين البرنامج الوطني وأدواته، حتى ينطلق قطار المصالحة والوحدة ... هذه المقاربة، جربت وسقطت، وركام الاتفاقات والتفاهمات المبرمة في سياق مساعي المصالحة، لم تصمد يوماً إلى صراع الضواري ومعارك السلطة والنفوذ ... علينا ان نفكر بما هو دون ذلك بكثير، كأن يتفق الطرفان على حالة من «التساكن» بعيداً عن الطموحات الكبيرة والبعيدة، المثالية غالباً، حتى لا نقول الساذجة.
حتى الآن، لم تفت الفرصة لانتاج حالة «تساكن» بين الفريقين في قطاع غزة، لكنها بحكم طبيعتها، حالة مؤقتة وهشة، وعرضة للانهيار في أية لحظة، وعند أول منعطف، ولقد رأينا ذلك رأي العين في الأيام القليلة الفائتة ... وفي ظني أن على الطرفين أن يتحدثا بصراحة مع بعضهما البعض حول هذه العناوين، والأهم، أن يتحدثا لشعبهما باللغة المفهومة غير المشفرة بأحاديث الحرص والتفاني و»الغيرية» ... وقد يكون ذلك مدخلاً لإيجاد «معادلة من نوع ما»، تبقي  حالة التساكن هذه قائمة، إلى أن يأذن الله بغير ذلك، كان تتغير الظروف، ويتمكن فريق من حسم معركته مع الفريق، سواء عبر صناديق الاقتراع، أو كما جرت العادة، بالاستقواء باطراف خارجية، إقليمية كانت أم دولية.
ضعوا التكاذب جانباً، وتوجهوا نحو ما يمكن إنجازه، أقله لوقف التدهور ومنع الانهيار، وتفادي أكثر السيناريوهات سوءاً، وتلك مهمة جليلة، بحاجة لإرادة قوية وجهد موصول بدورها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يكون التفكير بـخيار «التساكن» بعد أن استعصت المصالحة وتبددت الوحدة هل يكون التفكير بـخيار «التساكن» بعد أن استعصت المصالحة وتبددت الوحدة



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ننشر 10 تساؤلات بشأن تعويم الدرهم

GMT 02:23 2014 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السياحة الجنسية ظاهرة خطيرة تُثقل كاهل المجتمع في مراكش

GMT 18:29 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسيير أول خط طيران مباشر بين بابوا غينيا الجديدة والصين

GMT 21:23 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

إنقلاب سيارة "پورش" يقودها سعودي في طنجة

GMT 12:36 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

10 علامات تخبركِ بأن علاقتكِ الحميمة سيئة

GMT 08:02 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

"الكورديز Cordies" أحدث صيحات الاكسسوارات في 2018
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca