عن حزب اللـه والدولة و«حرب الحدود» مع إسـرائيل

الدار البيضاء اليوم  -

عن حزب اللـه والدولة و«حرب الحدود» مع إسـرائيل

بقلم - عريب الرنتاوي

في تعامله مع الأزمة الجديدة الناشبة بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود المائية وجدار الفصل المرشح لقضم أراضٍ لبنانية جرياً على مألوف الطبيعة التوسعية الإسرائيلية، رسم حزب الله لنفسه مسارين اثنين:
الأول؛ رفع نبرة التحدي في وجه إسرائيل، والتلويح بقدرة الحزب على استهداف الحفارات والمنشآت النفطية الإسرائيلية وتدميرها في غضون ساعات، والإبقاء على ورقة «المفاجآت» في أي حرب قادمة، قريبة من صدر الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله.
والثاني؛ وضع قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبنانية، أقله في هذه الجولة من الصراع مع إسرائيل، إذ من المستبعد أن يقبل الحزب بوضع قراره في يد الدولة، دائماً وعلى المدى الاستراتيجي ومن دون شروط... وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها على أمرٍ كهذا منذ انطلاقته قبل ربع قرن تقريباً.
المسار الأول ليس جديداً على الحزب، فهو يسعى منذ أن وضعت حرب تموز 2006 أوزارها، وبالأخص في سياقات الأزمة السورية، إلى صياغة معادلة «ردع متبادل» مع إسرائيل، تقوم على التهديد الجدي باستهداف الجبهة الداخلية في إسرائيل، إن هي أقدمت على ضرب مدنيين وأهداف مدنية في لبنان، كما يلوح بذلك قادة إسرائيل من سياسيين وجنرالات من دون انقطاع، وبلغة تصل إلى حد إبداء الاستعداد لمقارفة جرائم حرب إن تطلب أمر تدمير لبنان ذلك.
ولقد خرج حزب الله في الأشهر الأخيرة عن حذره المعهود عند الكشف عمّا يمكن أن يقدم عليه في حال وقعت الواقعة، مثل التهديد بضرب خزانات الأمونيا في حيفا وضرب مفاعل ديمونا في النقب، ما يمكن أن يلحق بإسرائيل كارثة نووية وكيماوية من الطراز غير المعروف أبداً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي منذ قيام إسرائيل وحتى يومنا هذا، دع عنك «نصائحه» للإسرائيليين بالمسارعة إلى مغادرة إسرائيل قبل أن لا يعود لديهم متسع من الوقت، إن انزلق الطرفان إلى مواجهة شاملة، وإن اضطر الحزب لإمطار إسرائيل بمئات الصواريخ متعددة المديات، ونقل المعركة إلى العمق الإسرائيلي (نكاد نقتبس حرفياً من أقوال السيد نصرالله).
البعض يقول إن في تهديدات نصر الله قدراً من «التهويل»، يعكس إصرار الحزب على إفهام إسرائيل بأن إشعال فتيل أي حرب مقبلة، سيكون مكلفاً عليها، بل وباهظ الكلفة، وهذا أمر مفهوم ومعتاد في الصراعات والحروب، بل ومشروع تماماً، وإسرائيل نفسها، تعتبر رائدة في مدرسة «الحرب النفسية» ونظرية «الجيش الذي لا يقهر» والحروب الخاطفة التي لا تبقي ولا تذر ...
كما أننا لا نستبعد هنا، أن يكون الحزب قد قرر وضع قواته واقتداره العسكريين، في يد «المفاوض» اللبناني، وهو يخوض جولات من التفاوض العلني والسري مع إسرائيل، عبر الوسيط الأمريكي ديفيد ساترفيلد، فالتفاوض غير المسنود بخيارات أخرى، ومن بينها خيار القوة والردع، هو تفاوض من الموقع الضعيف، المحسومة نتائجه سلفاً لصالح الآخر، والتجربة الفلسطينية خلال ربع قرن من التفاوض، تقف شاهداً على ما نريد قوله.
أما المسار الثاني، والمتعلق بوضع قرار الحرب والسلام في يد الدولة اللبنانية، فهو ينطلق أولاً، وفق تفسيرنا، من ارتياح الحزب لوحدة موقف الرؤساء الثلاثة من مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية، وما أعقبه من إجماع لبناني على رفض التهديدات والتعديات الإسرائيلية، وإصرار جماعي على رفض التخلي عن شبر أرض أو برميل نفط أو متر مكعب من الغاز.
وهو يعكس ثانياً، رغبة الحزب في تفادي حرب مع إسرائيل، إذ من المستبعد، أن يجمع المجلس الأعلى للدفاع والرؤساء الثلاثة على إعطاء ضوء أخضر للحزب لضرب إسرائيل، وطالما أن الحزب قد أعفى نفسه من مسؤولية «المغامرة» بإشعال حرب جديدة، لا يبدو أن أحداً في لبنان يريدها أو يستعجلها، فإنه يرغب في دفع المسؤولية عن مآلات هذا الملف، إلى حضن الدولة، وإبعاد كأسها المرة عن فمه هو بالذات.
وأحسب أن إسرائيل بدورها لا تريد حرباً شاملة مع لبنان وحزب الله، لكنها تعتمد سياسة التهويل والتخويف، وقد قرأ اللبنانيون تصريحات غوتيريش والتي عبر فيها عن خشية الأمم المتحدة من تدمير لبنان في أي حرب قادمة مع إسرائيل، على أنها تواطؤ أممي مع حملة إسرائيل «التهويلية» ... لست واثقاً من حكاية «التواطؤ» هذه، بيد أنني على يقين من إسرائيل ستسعى في تدفيع لبنان، كل لبنان، وزر هذه الحرب وأكلافها، والشيء ذاته سيفعله الحزب كذلك، مع الفارق بين قوة النيران الإسرائيلية واللبنانية، اللهم إلا إذا كان سقوط طائرة الإف 16 الإسرائيلية بصواريخ سورية، بداية نهاية حالة «الأجواء العربية المفتوحة» أمام الطيران الحربي الإسرائيلي، وبداية عملية «تحييد» لسلاح الجو الإسرائيلي الحديث والمتفوق.
أيا يكن من أمر، فإن الحرب تبدأ عادة بالكلام، وإن كان كل كلام مهما بلغت درجة التهويل فيه، لا يفضي إلى وقوع الحرب بالضرورة ... لبنان يقف اليوم على عتبة مفترق، إن لم تنجح واشنطن في إطفاء فتيل الانفجار، فإنه واقع لا محالة، حتى وإن كانت الأطراف جميعها، ليست راغبة في الحرب، وكم من حرب اندلعت وأكلت الأخضر واليابس من دون رغبة المتورطين بها؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن حزب اللـه والدولة و«حرب الحدود» مع إسـرائيل عن حزب اللـه والدولة و«حرب الحدود» مع إسـرائيل



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca