من «الاعتمادية» إلى «الاعتماد على الذات»

الدار البيضاء اليوم  -

من «الاعتمادية» إلى «الاعتماد على الذات»

بقلم - عريب الرنتاوي

يتعين على الحكومة بذل مزيد من الجهد لشرح وتوضيح «استراتيجيتها» للانتقال بالبلاد من إسار «الاعتمادية» الراهنة إلى فضاء «الاعتماد على الذات» ... يوم أمس، حاور الوزير عماد الفاخوري جمعاً من الخبراء والنواب والإعلاميين ورجال أعمال والأحزاب والمجتمع المدني، في ورشة حملت عنوان هذه المقالة، وبدا الرجل متمكناً من جميع «ملفاته»، ولم يبق سؤالاً من دون أن يجيب عليه، وبتوسع وحماسة ظاهرين، الأمر الذي أثار احترام المشاركين، بمن فيهم من اختلفوا معه في الرأي والفكرة، وشجع قطاعاً واسعاً منهم على طلب المزيد من هذه اللقاءات، وبمشاركةٍ أوسع من وزراء الحكومة ومسؤوليها في مختلف الاختصاصات، فقنوات التواصل والحوار بين الحكومة والرأي العام، ليست سالكة تماماً، وبانسدادها تتعمق فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته، وتلكم ليست أفضل «وصفة» يمكن الركون إليها، سيما في هذا الوضع المتفجر من حولنا، وما يعتمل في «دواخلنا» من مشكلات وتحديات.
الدكتور جواد العناني، كعادته دوماً، جمع بين السياسة والاقتصاد، وقدم مفهوماً لـ «الاعتمادية» لحظ جوانبها السياسية والاستراتيجية، مع أن الوزير الفاخوري، كان عرض لمعايير «الاعتماد على الذات»، وحدد ملامح المفهوم من وجهة نظره، التي هي وجهة نظر عابرة للحكومات في الغالب الأعم، كونه تنقل بين مواقع مهمة ومسؤولة في إدارة الملف الاقتصادي وتولي المسؤولية عن جوانب عديدة منه.
خلاصة القول: إن قنوات الحوار بين المسؤول والمواطن، ليست مفتوحة بالاتجاهين، وهذه وضعية لا يجوز الاستمرار بها، بأي حال من الأحوال، لم تخسر الحكومة شيئاً بتكليف الوزير الفاخوري المشاركة في الورشة، بل ربحت الشيء الكثير، على الأقل بدا أن هناك فهماً أفضل، وربما «تفهماً» أكثر جدية، للخطاب الحكومي، حتى وإن ظل التباين والخلاف، قائمين.
والحكومة معنية بتوسيع وتنويع قنوات التواصل والحوار، والانتقال به عبر القطاعات والمحافظات والفئات الشعبية والاجتماعية، فلا يمكن للسياسة الاقتصادية وما رافقها وصاحبها، من إجراءات قاسية على جيوب المواطنين، أن تمر بأقل قدر من الكلفة، من دون ردم فجوة الثقة، والاستعانة بفهم الجمهور وتفهمه، وصولاً إلى بناء التفاهمات والتوافقات الوطنية الأوسع والأعرض، وطالما أن المواطن هو «المانح» الرئيس للموازنة العامة للدولة، وبنسبة تفوق بعشرة أضعاف، كل ما يردنا من مساعدات وقروض وتسهيلات، فإن من المنطقي أن نعود للمواطن لاستشارته فيما نفعله أو ننوي فعله، مثلما نفعل باهتمام وانتظام مع مجتمع المانحين الإقليميين والدوليين.
وعلى الحكومة ألا تستسهل «حالة الإنكار» أو تقع فيها، وأن تستشعر القلق المتأتي عن غضب المواطنين وضيقهم بسياساتها وإجراءاتها، فهؤلاء ظهورهم إلى جدار، والإجراءات تمس صميم احتياجاتهم اليومية كحليب أطفالهم وقوت عائلاتهم ... ولا يجوز بحال الركون من دون تحفظ، إلى انضباط المواطن الأردني ووعيه وحرصه على أمن بلده واستقراره، وخشيته من الانزلاق إلى أتون فوضى لا يرغب بها أحد، وليس لأحد منّا مصلحة فيها، يتعين البناء على كل هذا وذاك، للوصول إلى درجة أعلى من التفاهم والتوافق، والطريق الوحيد لذلك، هو التواصل والحوار.
لقد كنّا بالأمس، أمام «بروفة» تصلح أن توصف بأنها «مقطع عامودي» لأي حوار وطني حول العناوين المشار إليها ... تمثلت الحكومة ومختلف شرائح المجتمع الأردني تقريباً، وكان حواراً حضارياً، تكشف عن وجهات نظر ومدارس عديدة، يمكن التوفيق بينها والتجسير بين مقاربتها ... فهناك من كان مشدوداً للمعالجة الفورية لأزمة العجز والمديونية، ولديه ما يقترحه من أدوات مالية ونقدية لفعل ذلك، ويمكن فهم ذلك إلى حد معين، وهناك من كان مشدوداً للمعالجة متوسطة وبعيدة المدى، وقدم مداخلات تنتمي إلى المدرسة الاقتصادية – التنموية، وهناك من سعى في خلق المزاوجة بين المدرستين والاحتياجين، وسعى في نسج ملاح خطة خلاص وطني، يعرف كل فريق منّا، دوره فيها على اكمل وجه.
الأردنيون الغاضبون من قرار رفع الدعم والضرائب، ضاقوا ذرعاً بحالة «الاعتمادية» التي تعتصر بلادهم، ومن استمع إلى شعارات التظاهرات الأخيرة وخطاباتها، تلمس هذه الظاهرة بكل الوضوح ... وهم يتطلعون، حتى وهم في ذروة غضبهم، لمرحلة يبلغ فيها الأردن، «سن الفطام» عن مجتمع المانحين، فثمة جرعة من الكرامة والكبرياء، يمكن البناء عليها لاجتراح استراتيجية الاعتماد على الذات.
يتعين على الدولة بكل مؤسساتها، أن تستنهض حواراً وطنياً جامعاً، يعيد الثقة للأردنيين بمؤسساتهم، وبالعملية السياسية الجارية في بلدهم، تجسيراً للفجوة، وتوطئة لتوزيع أعباء الاستراتيجية الاعتماد على الذات، والأهم من كل هذا وذاك وتلك، تعزيز قناعة المواطنين بأننا سائرون على هذا الطريق، من دون هوادة، وأننا لسنا أمام «فزعة» أخرى، من تلك التي اعتدنا عليها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «الاعتمادية» إلى «الاعتماد على الذات» من «الاعتمادية» إلى «الاعتماد على الذات»



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca