"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

الدار البيضاء اليوم  -

العالم المتحضر إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

مُنيّ مسار الانتقال الديمقراطي في العالم العربي بانتكاستين كُبريين في المنقلب الثاني من العام الجاري...إجراءات قيس سعيّد الاستثنائية في تونس (25 يوليو)، وانقلاب البرهان – حميدتي في السودان (25 أكتوبر)...حصل ذلك، ولمّا تُكمل إدارة بايدن، حاملة شعلة الديمقراطية وحقوق الانسان، عامها الأول في البيت الأبيض.

في الحالتين، التونسية والسودانية، لا يجادل اثنان بأن الأحوال التي سبقت الانتكاستين، لم تكن ورديّة على الإطلاق...أحزاب تونس كما السودان، نخرتها الانقسامات والصراعات الأنانية، ونخر عظمها الفساد والمال السياسي، وانصرفت عن هموم الناس واحتياجاتهم، إلى إطلاق مفاعيل نظرية "التمكين"، والتي لم تعد تقتصر على النهضة وإسلامييها، ولا على الحركة الإسلامية السودانية وشيوخها، بل طالت بأقدار مختلفة، فصائل وأحزاب التيار المدني، إلا من رحم ربي.

تدهورت أحوال البلاد، وتآكلت رواتب العباد وعملتهم، وتراجع معاشهم حتى عن المستويات التي كانت سائدة زمن "الديكتاتوريات"، فيما أفق المستقبل، ظللته "حروب داحس والغبراء" بين الكيانات والمكونات، حتى بدا أن البلدين، يعيشان استعصاءً لا مخرج منه...وربما لهذه الأسباب مجتمعة، بدا أن إجراءات سعيّد الاستثنائية، و"البيان رقم 1" للبرهان، وقد حظيا بدعم من قسم من الرأي العام في البلدين، وولّد ذلك انشقاقات في صفوف قوى الثورة والتغيير، جاءت عابرة لخطوط الإيديولوجيات وخرائطها.

لكن ذلك لم يمنع تفاقم خطر عودة الدكتاتورية والاستبداد، وإن بأشكال مختلفة، لحكم البلدين...في تونس، بدا أن ثمة "مستبد عادل" قيد ترسيخ صورته ومواطئ أقدامه، بخطاب "شعبوي"، أعاد انتاج بعض فصول خطاب القذافي عن "اللجان الشعبية" والديمقراطية المباشرة، بلا أحزاب ولا تنظيمات...وفي السودان، بدا أن "الجنرالات" قد استبدلوا اسماً بآخر وصورة بأخرى، بعد أن أظهروا الاستعداد للتحالف مع كل شياطين الأرض للبقاء في سلطة وصلوها على أكتاف ثوار ديسمبر 2018، ولائحة شياطين الأرض، تتسع في الحالة السودانية، لإسرائيل وفلول النظام السابق والحركة الإسلامية التي أوصلته للحكم قبل ثلاثة عقود، ومكّنته منه.

الشارعان التونسي والسوداني، لم يسلِّما بالانتكاستين معاً...في بلاد الياسمين، احتاج الأمر بعضة أشهر، حتى تنجلي صورة الإجراءات الاستثنائية، وتتكشف نوايا "المستبد العادل"...كل يوم يمضي، يخسر الرئيس التونسي "المنتخب" جزءاً من رصيده الشعبي، وتنتقل قوى إضافية إلى الخندق المقابل له...أما في بلاد النيلين، فقد كانت الصورة أكثر وضوحاً من لحظتها الأولى، ما سمح للجموع الغاضبة بالإبقاء على احتشادها في الشوارع والميادين، مطالبة باستنقاذ الثورة، وقطع الطريق على الانقلاب والانقلابيين.

في الحالتين، التونسية والسوداني، وعلى وقع الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة، سيخرج المجتمع الدولي شاهراً سلاح "القلق" و"الإدانة" والتحذير، فيضطر النظام "الجديدان" إلى اتخاذ خطوات "تكتيكية"، "احتوائية"، تحت الضغط...في تونس، وعشية الذكرى الحادية عشرة لثورتها، سيكشف الرئيس في (13 ديسمبر)، عن خريطة طريق جديدة، تعطيه عاماً إضافياً، "سيداً مطلقاً" للبلاد...وفي السودان، وعشية الذكرى الثالثة لثورته، سيبرم البرهان مع حمدوك (سجينه السابق) اتفاقاَ سياسياً في (21 نوفمبر)، يبقيه على رأس السلطة الانتقالية لأزيد من عامين

الانتقال الديمقراطي في العالم العربي إضافيين...وفي كلتا الحالتين، ثمة رهانات كبيرة، من "الجنرال" و"المستبد العادل"، على ما تستبطنه قادمات الأيام من تطورات، قد تطيل في أمد حكمهما، وربما إعادة انتاج سيرة من سبقهما.
المفارقة، أن كلٍ سعيّد والبرهان، نجحا في تسويق بضاعتهما، الجديدة – القديمة، على المجتمع الدولي، فبدل الإصرار على استئناف المسار الانتقالي – المدني – الديمقراطي، تبارت دول "العالم المتحضر" بزعامة الديمقراطي بايدن، لشراء بضاعة لفظها الشارعان وقاطعاها، بزعم أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، فأي نفاق هذا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم المتحضر إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها العالم المتحضر إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca