نظرة استراتيجية

الدار البيضاء اليوم  -

نظرة استراتيجية

بقلم - عريب الرنتاوي

منذ أن أعادت الحركة الوطنية الفلسطينية "محاكاة" النظام العربي الرسمي في بينتها وهيكليّتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية (كان ذلك قبل قيام السلطة، وبالأخص بعدها) بدا أن لحظة الافتراق بين الفعل الشعبي الفلسطيني والفعل الجماهيري العربي قد حلّت....وتحت شعار عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية، فقدت القضية الفلسطينية حاضنتها الشعبية العربية....ولمّا بلغ التخاذل والعجز الرسميين ذروتهما كما في السنوات القليلة الفائتة، وتكاثر الملتحقون بركب التطبيع المتهافت، لم تُجدِ نداءات الاستغاثة التي وجهها الفلسطينيون للشعوب العربية في تحريك سواكنها....لم يكسب الفلسطينيون الأنظمة الرسمية وبددوا رصيدهم الشعبي كذلك.
 
تزامن ذلك، مع تراجع بلغ حد الانهيار لحركة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، فقد أضعف "وهم الدولة" الذي أشاعه قيام السلطة زخم هذه الحركة، وأفضى الترهل في أداء منظمة التحرير بسفاراتها وممثليّاتها ومنظماتها الشعبية إلى اتساع الفجوة بين فلسطين وحاضنتها الشعبية الأممية، وتسرّعت هذه العملية بعد انتقال مركز ثقل الحركة الوطنية من حركة فتح، كحركة وطنية علمانية منفتحة، إلى حركة حماس بخطابها الديني – الإخواني، وما تسبب فيه من انفضاض كثير من المتضامنين، وانقسام في الجاليات الفلسطينية التي طالما لعبت دور المحور المحرك لحركات التضامن الأممي مع القضية الفلسطينية....ولولا حركة المقاطعة “BDS” وبعض الأنشطة المتفرقة للجاليات، لقرأنا على حركات التضامن الأممية السلام.
 
اليوم، حيث بلغت القضية الفلسطينية منعرجاً جديداً، ودخلت مرحلة استراتيجية نوعية مع "صفقة القرن" و"توجهات الضم الزاحف"، فلا بد من نظرة استراتيجية جديدة، تعيد ارتباط القضية الفلسطينية بعمقها العربي، من بوابته الشعبية، بعد أن أغلقت في وجهها بوابات النظام الرسمي العربي....ولا بد من إعادة بعث وتجديد دور حركة التضامن الأممي مع القضية الفلسطينية، بدءاً بتفعيل الجاليات، الفلسطينية والعربية والصديقة، مروراً باستنفاذ الفرص الهائلة التي تتيحها اليقظة الأممية في مواجهة وحش العنصرية المنفلت من عقاله، والرغبة الإنسانية الجارفة في إعادة تصويب التاريخ وتنقيحه.
 
العالم العربي، بعد كورونا، تنتظره "جائحة اقتصادية – اجتماعية"، تفتح الباب لموجة ثالثة من ثورات الربيع العربي، أكثر شمولاً واتساعاً من موجتيه الأولى (تونس، ليبيا، مصر، سوريا واليمن) والثانية (الجزائر، السودان، العراق ولبنان)....هنا، يتعين على الفصائل والشخصيات والمؤسسات الثقافية والمدنية والنقابية الفلسطينية، أن تشرع من الآن في صياغة استراتيجية الربط والمزاوجة بين نضال الشعوب العربية من أجل العيش والكرامة والحرية والعدالة، بالنضال الوطني الفلسطيني ضد الاستعمار والعنصرية.
 
ولأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري وفقاً لمنطوق القرار الأممي "المغدور"، 3379، فإن مهمة إدماج نضال الفلسطينيين من أجل الحرية والعودة وتقرير المصير بنضال البشرية جمعاء ضد العنصرية والتمييز العنصري، تصبح المهمة الأولى للمجتمع الفلسطيني بكل قواه الحيّة، من مثقفين وفنانين ومجتمع مدني وسياسيين وحركات شبابية ونسوية، وتحتل الجاليات الفلسطينية في المغتربات والشتات دور الطليعة المتقدمة في هذا النضال.
 
لقد نجحت إسرائيل في إضفاء سمة "الإرهاب" على كفاح الفلسطينيين ومعظم فصائلهم... لقد حاولوا إلحاقنا بموجة القاعدة والجهاد العالمي وداعش، وحققوا بعضاً من النجاح ولا أقول نجاحاً كاملاً، وقد آن أوان لرد الصاع صاعين أو ثلاثة.... المطلوب اليوم، الاستعداد لاستقبال الموجة الثالثة لثورات الربيع العربي بشعار فلسطيني يندمج ويتماهى مع شعارات الخبز والكرامة والحرية.... المطلوب اليوم، إدماج كفاحنا ضد الصهيونية بكفاح العالم ضد العنصرية، والإدماج في الحالتين لن يكون تلقائياً وعفوياً، بل فعل منظم، يتطلب رؤية واستراتيجية وخطط عمل وبرامج تنفيذية، فهل أنتم فاعلون؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرة استراتيجية نظرة استراتيجية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca