تـرامـــب ونقل السفارة

الدار البيضاء اليوم  -

تـرامـــب ونقل السفارة

بقلم : عريب الرنتاوي

من الخطأ الظن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد تخلى عن “وعده” بنقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس ... الرجل لم يقل ذلك أبداً، ومستشاروه تحدثوا عن “بداية عملية صنع القرار” ... ترامب لن يجعل قرار نقل السفارة من بين أول خمسة أو عشرة “أوامر تنفيذية” تصدر عنه، لكنه على الأرجح سيعتمد أسلوب “النقل المتدرج” للسفارة، تلكم مسألة لا يجب أن تخطئها التقديرات.

صحيح أن معظم، إن لم نقل جميع الرؤساء الأمريكيين تورطوا بوعود في أثناء حملاتهم الانتخابية بفعل ذلك ... وصحيح كذلك أنهم جميعاً، ومن دون استثناء، “نكثوا” بوعودهم فور دخولهم للبيت الأبيض ... بيد أن الصحيح كذلك، أن الرئيس ترامب، من طينة مختلفة تماماً عن سابقيه، فقراراته تتسم بالهوج والرعونة، وهو ذهب حتى نهاية الشوط في الالتزام بنقل السفارة، ولم تكن المسألة بالنسبة له، مجرد تصريح في مهرجان انتخابي، أو جملة في خطاب أمام “الأيباك” ... الرجل جعل من المسألة “فلسفة” و”استراتيجيا”، أقرنها بدعم غير مسبوق على هذا المستوى، للمشروع الاستعماري/ الاستيطاني/ الإحلالي التوسعي، الذي تنفذه بتسارع، حكومة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل بزعامة نتنياهو.

يبدو أن ترامب تلقى ما يكفي من “تقديرات”، سياسية وأمنية، من أجهزة الإدارة السابقة ومستشاريها حول خطورة خطوة من هذا النوع، ويبدو أنه أيقن أن التسرع في البت بأمر على هذا المستوى من الجدية والخطورة، سيفتح عليه أبواب الانتقادات من كل حدب وصوب، وهو أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، يلقى هذه العاصفة من الرفض، قبل أن تطأ قدماه عتبات البيت الأبيض.

لكن مع ذلك، لا يبدو أن “التهديد” قد تبدد، فالرجل على المستوى الشخصي، مؤمن بما قاله في أثناء حملاته الانتخابية، وهو جاد في ترجمة ما وعد به من أقوال في اثناء الحملات إلى أفعال بعد أداء القسم وتسلم مقاليد المنصب الأكثر أهمية في العالم ... لقد نفذ ما وعد بخصوص “أوباما كير”، وانسحب من الشراكة عبر الباسيفيك ... وهو ماضٍ في إنفاذ برنامجه الانتخابي، حتى أنه لم يأبه لكل الانتقادات التي وجهت إلى “صلاته الروسية”، فأعلن استعداد واشنطن لعمل عسكري مشترك مع موسكو ضد الإرهاب في سوريا، وهو أمر لم تفعله الإدارة الأمريكية السابقة، بل ورفضته رفضاً باتاً وقطعياً.

والرجل أحاط نفسه بشبكة من المسؤولين والمستشارين والموفدين للشرق الأوسط، من عتاة المؤيدين لأكثر الاتجاهات يمينية وتطرفاً في إسرائيل، من صهره إلى سفيره في تل أبيب ... والأرجح أنه سيظل تحت الضغط و”التذكير” إن تراخى أو نسي أو تناسى ... وما لم يرد أن يقامر بفعله اليوم، ودفعة واحدة، قد يفعله غداً، وربما بالتقسيط، وعلى مراحل تدريجية.

قيل إن نقل السفارة سيبدأ بنقل السفير ... وقيل إن سفير واشنطن الجديد سينتقل للإقامة في القدس (لا أدري أين كان يقيم بالمناسبة) ... وقيل إن أقساماً من السفارة ستنتقل لتتتبعها أخرى ... وقيل إننا عمليات “جس نبض”، تسريب الشيء ونقيضه في الوقت ذاته ... ما زلنا في مرحلة الأقاويل، والقيل والقال، لكن المؤكد أن مسار نقل السفارة قد بدأ، وهو وإن اتخذ طريقاً متعرجاً وطويلاً نسبياً، إلا أن القطار قد وضع على السكة.

يحلو للبعض أن ينسب “تريث” ترامب في ترجمة “وعده” إلى ردود الأفعال الفلسطينية والعربية، لا أدري إن أجرت هذه الردود “الأدرينالين” في عروق ترامب وإدارته؟ ... استبعد ذلك تماماً، حتى أن معظم العواصم العربية لم تكلف خاطرها بإصدار بيان بهذا الشأن ... أما السلطة التي هددت وتوعدت، فلم تقرر بعد، أية بدائل ستسلكها في حال أوفى الرجل بوعده، وعد من لا يملك إلى من لا يستحق أيضاً... الأرجح أن “المؤسسة” الأمريكية هي من ضغط على ترامب، ودائماً لحسابات تتعلق بدور واشنطن في هذا الملف، كما لا أستبعد أثر ردود فعل بعض العواصم الأوروبية المحذرة والمنبهة من مغبة المضي على طريق المقامرة بدفن ما تبقى من أشلاء “عملية السلام” ومزق “حل الدولتين”.

ترامب آثر التريث، لكنه لم يطو بعد صفحة نقل السفارة، والأرجح أنه لن يطويها إلا إذا شعر، بحس وعقلية التاجر المرابي الذي هو عليه، بأن كلفة قرار من هذا النوع، ستكون أعلى بكثير من كلفة “عدم الوفاء بالعهد” ... ترامب كأي سياسي، وأكثر من أي سياسي، كأي تاجر، وأكثر من أي تاجر، يعرف كيف يضع قراراته في ميزان الربح والخسارة، وعلينا أن نجعله يدرك، سريعاً وقبل فوات الأوان، بأنه يخطئ خطأً فادحاً حين يقرر نقل السفارة، ويقترف خطيئة حين يدعم سياسات التوسع الاستيطاني، فهل نحن فاعلون؟!

المصدر: الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تـرامـــب ونقل السفارة تـرامـــب ونقل السفارة



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca