واشنطن لا تريد السلام ولا الحــرب كـذلك!

الدار البيضاء اليوم  -

واشنطن لا تريد السلام ولا الحــرب كـذلك

بقلم - عريب الرنتاوي

تعيد السياسة الخارجية الأمريكية انتاج أخطائها (خطاياها) مرة تلو الأخرى، إلى الحد الذي بات فيه الاعتقاد سائداً، بأن هذه «الأخطاء» هي السياسة ذاتها، وأنها مقصودة بذاتها، وتصدر عن سبق الترصد والإصرار، وأن أهم أهدافها هو إشاعة الفوضى في الإقليم على نحو مستدام، شريطة أن تكون «مضبوطة» ومسيطرًا عليها، فإبقاء أزمات الإقليم مفتوحة، والاكتفاء بإدارتها فحسب، دون حلها، أمرٌ يخدم في نهاية المطاف، أهداف واشنطن في استنزاف روسيا وإيران وابتزاز أوروبا، وتوفير عوائد ضخمة للشركات والخزانة الأمريكية، كثمرة مؤكدة لسياسة «استحلاب» دول المنطقة، وامتصاص مواردها وإعادة تدويرها.

الأزمة السورية، تنهض شاهداً على «الأخطاء المقصودة» في السياسة الخارجية الأمريكية: بدءاً بالإصرار على «عزل» روسيا وإيران عن مسارات الحل النهائي للأزمة في بواكيرها، والاكتفاء بالعمل من ضمن نطاق «نادي أصدقاء سوريا»، مروراً بشرط تنحية الأسد كمدخل للعملية السياسية في سوريا، وليس كتتويج لها وانتهاء بمطلبها الأخير: خروج إيران غير المشروط من سوريا... لا روسيا وإيران، عزلتا عن المسار السياسي بل استأثرتا به في أستانا وسوتشي، ولا الأسد غادر عرينه في «قصر الشعب»، لكن النتيجة الوحيدة، المقصودة مرة أخرى، هي تدمير سوريا بالكامل، وإنهاك جيشها، خدمة لمصلحة إسرائيل، فضلاً عن إبقاء سيف النزيف والاستنزاف مشهراً فوق رأسي «القيصر» و»المرشد»، دع عنك عشرات مليارات

الدولارات المستحلبة من دول الخليج، وابتزاز أوروبا بملفات الإرهاب واللاجئين وخطر التمدد الروسي على حدودها الجنوبية.
اليوم، تعيد واشنطن الكرة ذاتها، ولكن على نحو أكثر ميلاً لغطرسة القوة وسياسة الإملاءات، وبصورة لم تعد تستهدف خصوم الولايات المتحدة في الإقليم والعالم، بل وحلفائها في أوروبا وبعض دول المنطقة ... فمن يقرأ الشروط الاثني عشر التي يسعى مايك بومبيو في فرضها على إيران، يدرك تمام الإدراك، أن «سياسة الاستنزاف والابتزاز» وعقليه إدارة الأزمات المفتوحة بدل حلها، تفشت في عقول صناع القرار في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ... فواشنطن لا تريد حرباً ثالثة في الإقليم، وهي ليست بواردها على الإطلاق، بيد أنها لا تتوافر على أي مشاريع لحلول سياسية لأزمات المنطقة، أما الخلاصة التي توصل العقل اليميني المحافظ (الغيبي) لهذه الإدارة، فتتمثل في تصعيد التوتر، وإبقاء بؤره مشتعلة، بل وصب المزيد من الزيت على نيرانها المتأججة أصلاٌ.

لو أن واشنطن تريد حقاً احتواء إيران، وإضعاف دورها الإقليمي، وتغيير سلوك نظامها الحاكم وأدواته، لما ذهبت إلى ما ذهب إليه وزير خارجيتها الجديد، ولكانت انخرطت في البحث مع الشركاء والحلفاء، عن مسارات سياسية، تنتهي إلى تدعيم التيار الإصلاحي – التغييري في إيران، وخلق ديناميكيات وعمليات سياسية في دول الأزمات، تنتهي إلى تقليص الدور الإيراني وإضعافه ... بيد أنها اختارت السير في طريق معاكس تماماً لهذا الاتجاه، وستكون له عواقب وخيمة، ليس من بينها «انصياع إيران لصك الإذعان» الذي صاغه بومبيو تعبيراً عمّا يجيش في عقل نتنياهو وغرائزه.

ستنتهي المقاربة الأمريكية الجديدة، إلى بعث وإحياء التيار اليمني المحافظ (الثوري) في إيران، وربما للمرة الأولى منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها قبل أربعة عقود، سيتحول قطاع من الإصلاحيين «المخذولين» إلى محافظين متشددين، يزايدون بمواقفهم وشعاراتهم على الحرس الثورة وبعض «آيات الله» المعروفين بمواقفهم «الجهادية» التي لا تلين.

وسيدفع الإقليم، بدوله العربية، «السنيّة والمعتدلة» غالباً، ثمن هذه السياسات بأكثر مما ستدفع إيران، ذلك أن ساحات المواجهة المتفجرة بين إيران والولايات المتحدة، ستكون في دولنا ومجتمعاتنا، وستسدد شعوبنا «فاتورتها» الثقيلة، من بشرها وحجرها وشجرها، طالما أن المعركة الأمريكية- الإسرائيلية ضد إيران، لن تنتقل إلى الداخل الإيراني، وطالما أن أدوات واشنطن وأوراقها التي يمكن استجماعها لمواجهة إيران وتطويقها، هي أقل قيمة وجدوى مما توفرت عليه إدارات متعاقبة، لم تفلح من قبل في فرض الخنوع والخضوع على إيران، ومن شبه المؤكد أن هذه الإدارة لن تفلح كذلك.

في غياب الإرادة لشن «حرب الاقتلاع» للنظام الإيراني لدى صناع القرار الأمريكي، وفي غيبة أي توجه لإطلاق عمليات وديناميكيات سياسية جديدة في دول الأزمات المفتوحة والمضمرة، لن تكون النتيجة سوى مزيد من الخراب والدمار في هذه المنطقة، والمزيد من سياسات الاستنزاف والابتزاز والاستحلاب، لخصوم واشنطن وحلفائها، سواء بسواء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن لا تريد السلام ولا الحــرب كـذلك واشنطن لا تريد السلام ولا الحــرب كـذلك



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca