نهاية مئوية وبداية أخرى

الدار البيضاء اليوم  -

نهاية مئوية وبداية أخرى

بقلم ـ عريب الرنتاوي

لا تعرف إسرائيل سوى طريقة واحدة للتذكير بحضورها والتأكيد على خطوطها الحمراء في عدد من ملفات المنطقة وصراعاتها: الغارات الجوية والضربات الصاروخية، وهي تمارسها بوسائل تتميز بالكثير من الغطرسة والعربدة، وقلة الإحساس بما تراكمه من احتقان وحقد وكراهية، بل ورغبات دفينة جامحة للانتقام، وإن بعد حين.
قبل أن يشرع الفلسطينيون فعلياً في تنفيذ خطوات «مصالحتهم» الأولى، كان الطيران الحربي الإسرائيلي يغير على نفق للجهاد الإسلامي في غزة، ويقتل ثمانية مقاومين ويصيب آخرين... البعض يقول إن للغارة سياقا آخر، غير سياق استهداف المصالحة الفلسطينية، لكن اختيار التوقيت من جهة، ورفض إسرائيل تقديم أية تسهيلات لفرق الانقاذ الباحثة عن أحياء/أموات تحت الركام، في الجانب الآخر من النفق، لا يبعثان سوى برسالة واحدة للفلسطينيين: نحن هنا، ودائماً سنقف لكم بالمرصاد؟!
وقبل أن تبلغ الدعوات أصحابها، لحضور مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، في أول خطوة جدية على مسار المصالحة والسلام، كانت الطائرات الإسرائيلية تغير على مناطق في ريف حمص وعلى خط الحدود بين سوريا ولبنان، مستهدفة مواقع للجيش السوري وحزب الله اللبناني... الرسالة التي أرادت إسرائيل توجيهها هي ذاتها: نحن هنا، وسنبق لكم بالمرصاد؟!
صحيح أن الغارة الإسرائيلية على سوريا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقها أكثر من مائة غارة وضربة صاروخية طوال سنين الأزمة السبع العجاف، وصحيح أيضاَ ان إسرائيل لن تتوقف عن توجيه المزيد من الغارات والضربات الصاروخية ضد أهداف منتقاة في سوريا... لكن الصحيح كذلك أن إسرائيل تحرص على تجديد حضورها وتأكيده عبر هذه الوسائل العدوانية، ودائماً في كل مرة، تشعر فيها أن أزمة من أزمات دول الجوار في طريقها للحل، أو أن عوامل جديدة، قد دخلت على خطها.
العربدة وسياسة «الذراع الطويلة» هي وسيلة إسرائيل الوحيدة وطريقتها الفضلى للتدخل في قضايا الإقليم، فهي تدرك أنها ليست جزءا منه، ولن تكون، مهما بلغ تهافت الوضع العربي وتآكله... وهي تدرك أنها في «أزمة شرعية» بدلالة كل هذا الاهتياج المصاحب للمئوية الأولى للوعد المشؤوم... وهي تعلم علم اليقين أن حكاية «الوطن القومي لليهود» لم تقتل تطلعات الشعب الفلسطيني وأشواقه لبناء وطنه القومي الخاص، وفوق ترابه الوطني... وهي ترقب بكل قلق وحسرة، سقوط نظرية «أرض بلا شعب لشعب بلا وطن»، فالشعب الفلسطيني يملأ الأرض والفضاء كفاحاً عادلاً ومشروعاً من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، ومن كانوا عند الوعد المشؤوم قرابة نصف المليون، باتوا اليوم أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني، ينطقون بصوت واحد: فلسطين لنا، وليس لنا وطن قومي آخر غيرها.
إسرائيل ترقب بقلق فساد نظريتها عن «الكبار الذين سيموتون والصغار الذين سينسون»... لا الكبار ماتوا قبل أن ينقلوا روايتهم بحذافيرها لأبنائهم... ولا الصغار نسوا رغم أنف الشتات ومخططات الطمس والتهويد والتبديد والأسرلة... فكل جيل من أبناء فلسطين، يأتي أكثر استمساكاً بأرضه ووطنه وهويته وكرامته وشوقه للحرية والتحرير والتحرر.
أما في سوريا، وبرغم الجراح الغائرة في جسد الشعب والدولة والمؤسسات والمجتمع، ما زالت عروق الشعب السوري تنبض بالحياة والرغبة في الانتصار على الموت والخراب... ما زال الشعب السوري يستذكر وعد بلفور المشؤوم وخرائط سايكس – بيكو والعقلية الاستعمارية التي أرادت وما تزال تسعى في إطفاء الروح السورية، وتجزئة البلاد والعباد وتوزيعهم حصصاً على ملوك الطوائف وأمراء الحرب... سوريا برغم الخراب، والحضور الإسرائيلي الدامي والمتكرر، ما زالت مصدر قلق يقض مضاجع الإسرائيليين، الذين ما أن تغيب طائراتهم عن أجوائها حتى تحضر صواريخهم بكل ما امتلكت من قدرة على القتل والتدمير.
العربدة الإسرائيلية، تأخذ هذه الأيام، شكلاً احتفالياً بوعد بلفور... الاحتفال الرئيس في لندن، التي ألحقت العار بنفسها وإرثها قبل أن تلحق الأذى بالشعب الفلسطيني... لكن ساحات هذا الاحتفال تمتد من خانيونس إلى ريف حمص وحدود سوريا مع لبنان، ما يجعل احتفالاتهم بالمئوية الأولى لبلفور، تدشيناً لمئوية ثانية من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والصراع العربي الإسرائيلي، فلا إسرائيل ومن خلفها الاستعماريون القدامى والجدد بصدد الكف عن تآمرهم وعدائيتهم الفائضة عن اللزوم، ولا الفلسطينيين والعرب، لا اليوم ولا غداً، بصدد رفع الرايات البيضاء والتسليم بالحقائق التي يراد زرعها على أرضهم وفي عقولهم وقلوبهم، وبقوة الحديد والنار... إنها نهاية مئوية وبداية أخرى، ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية مئوية وبداية أخرى نهاية مئوية وبداية أخرى



GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 16:29 2022 الأحد ,28 آب / أغسطس

الاتفاق النووي... عودة السيئ تكون أسوأ

GMT 16:11 2022 السبت ,13 آب / أغسطس

الخبز قبل الغاز... في لبنان

GMT 20:44 2022 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

«إسرائيل النووية!»

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca