أين من هنا؟

الدار البيضاء اليوم  -

أين من هنا

بقلم - عريب الرنتاوي

لم تبق دولة أو منظمة في العواصم الدولية والإقليمية ذات الصلة، من قريب أو بعيد، إلا وأدلت بدولها في مسألة القدس، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها ... خريطة المواقف ارتسمت، وحدودها اتضحت، والآن يقفز السؤال الأهم والأخطر: أين من هنا؟
ليس من بين جميع الأفرقاء من لديه ذرة أمل في احتمال تراجع واشنطن عن قرارها ... حتى التقييم الشامل الذي رفعه السيد صائب عريقات للرئيس الفلسطيني والمجلس المركزي للمنظمة، استبعد احتمالاً كهذا، وقدم تقديراً قاتماً لما بات يعرف بـ “صفقة/صفعة العصر”، فهي بكليتها، تتنكر لحقوق الفلسطينيين، وتستلهم الأطماع التوسعية والاستعمارية الصهيونية.
خريطة المواقف الفعلية لمختلف الأطراف، باتت تتضح وتنجلي خطوطها ومعالمها، ويمكن تلخيصها على النحو التالي، بدءاً بالموقف الأمريكي الذي تقول التقارير أن واشنطن وإن كانت مستمسكة بقرار ترامب، إلا أنها منفتحة على “تسويات” من شأنها “تدوير الزوايا الجارحة” في الموقف الأمريكي المناهض للمصالح الفلسطينية والعربية والإسلامية، بما في ذلك احتمال إقامة السفارة في القدس الغربية، وفتح الباب لتفاوض حول مصير الأحياء العربية، من دون المس بجوهر المصالح والأطماع الإسرائيلية في المدينة، والتي تستند إليها الأساطير المؤسسة للمشروع الصهيوني في فلسطين.
الاتحاد الأوروبي، ومعه بريطانيا، رفضت القرار الأمريكي، وأيدت المسعى الفلسطيني في المنتظم الدولي، بيد أنها تتردد وتستنكف عن الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس “تحت الاحتلال”، وهي تنصح الجانب الفلسطيني، حتى لا نقول، تضغط عليه، من أجل تفادي “التصعيد” والتريث حتى يكشف ترامب وإدارته، عن أوراقه المسماة خطة العصر ... هنا يجدر القول، إن دول الاتحاد الأوروبي، لا تمانع من حيث الأساس، أسس الحل الذي تستبطنه المبادرة الأمريكية، والتي كشف عنها عريقات، بيد أنها تريد لهذا الحل أن يتوج مساراً تفاوضياً، وألا يأتي على شكل إملاءات مفروضة على الفلسطينيين، ومقرونة بسلسلة من العقوبات.
الموقف الروسي، ومن ورائه الموقف الصيني، تميز في “معركة القدس الأخيرة”، باعتماده خطاباً “خفيض النبرة”، فهو من حيث المبدأ، يناصر المطلب الفلسطيني بدولة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وموسكو كانت سبّاقة للاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل ومن دون ضجيج، وهي وإن صوتت إلى جانب المشروع الفلسطيني – العربي – الإسلامي في مجلس الأمن والجمعية العامة، إلا أنها تمتنع عن وضع المسألة الفلسطينية برمتها، في صدارة أولوياتها، فلديها في هذه المنطقة، أولويات أخرى تشغلها، ولديها علاقات متطورة ونامية مع إسرائيل، لا ترغب في تعكير صفوها... أما الموقف الصيني، فلا يبتعد كثيراً عن المواقف الروسية.
في مناخات كهذه، يبدو الموقف الفلسطيني في وضع شديد الحرج، ومن المشكوك فيه أن تبقي القيادة الفلسطينية على موقفها الداعي لإسقاط مشروع ترامب وقراره حتى النهاية، والإبقاء على قرارها برفض الدور الأمريكي الوسيط والراعي، ووقف الاتصالات مع واشنطن... وستتعرض هذه القيادة، وهي تعرضت من قبل، لموجة عاتية من “النصائح” والضغوط ، التي تسعى في إرغامها على التراجع والعودة للتساوق مجدداً مع المواقف العربية والدولية.
لن نكون أمام انقلاب مفاجئ وحاد في الموقف الفلسطيني، ولن تقتصر المساوات والتسويات على نقطة واحدة بعينها: قرارات ترامب ومشروعه، فالمؤكد أن الأطراف الفاعلة تعمل على تجهيز “رزمة شاملة”، سياسية ومالية، تعتمد أسلوب “العصا والجزرة، كافية لإنزال القيادة الفلسطينية على نحو آمن ومتدرج عن قمة الشجرة التي صعدت إليها، وستعتمد “الرزمة” إجراءات من شأنها التأثير على الرأي العام الفلسطيني، وتهيئته (ترويضه) لتقبل الخيارات الأسوأ.
ليس بالضرورة أن يكون مطلوباً من الفلسطينيين إعلان القبول بالمبادرة الأمريكية أو الترحيب بها، بل وقد لا يصبح بحث المبادرة والتفاوض بشأنها أمراً جوهرياً، فالمهم ألا يغرد الفلسطينيون بعيداً خارج سرب المواقف الإقليمية والدولية السائدة، وألا يذهبوا بعيداً في ترجمة القرارات والتوجهات التي تكشفت عنها قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، نظير مبادرات معلنة أو مضمرة،  تشتمل التعاطي مع مخرجات هذا المشروع وخطواته التمهيدية، بدءاً بإدامة التنسيق الأمني مع إسرائيل، وربما توثيقه، مروراً بتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين بخطوات ملموسة، وانتهاء بالقبول بأمر واقع، وربما أحادي الجانب، قد تفرضه إسرائيل في الضفة الغربية، من دون اتفاق سلام نهائي، ومن دون حاجة لتنظيم مراسيم احتفالية للتوقيع على صفقة السلام النهائي، في إعادة منقحة ومزيدة، لخطة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة التي أطلقها وترجمها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أريئيل شارون في العام 2005.
وباختصار شديد، يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحاً لساحة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، هو عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل صدور قرارات ترامب بشأن القدس، وبعد أن تكون إسرائيل قد ظفرت باعتراف أكبر دولة في العالم بـ “عاصمتها الأبدية الموحدة”، ما لم يتدخل الشعب الفلسطيني على نحو مفاجئ وغير منتظر، كما عوّدنا، بتحرك يقلب الطاولة على رؤوس اللاعبين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين من هنا أين من هنا



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca