«أزمة أخلاق» أم «أزمة سيادة قانون»؟

الدار البيضاء اليوم  -

«أزمة أخلاق» أم «أزمة سيادة قانون»

بقلم : عريب الرنتاوي

يتحدثون عن «أزمة أخلاق» تجتاح المجتمع الأردني ... بعضهم يقول إنها طارئة على مجتمعنا وعاداته وتقاليده، بعضهم الآخر، يرى أنها جزء من موروثنا، وأن الجديد في الأمر، أننا بتنا نعرف كل شاردة وواردة تحصل في آخر بقعة من بقاع الوطن، وربما بعد لحظات قلائل وقوعها... لا أحد يجادل في انهيار «المنظومة القيمية والأخلاقية»، بدلالة هذا العنف المجتمعي بأشكاله وألوانه المختلفة، وهذا العنف اللفظي الذي نتبادله في العوالم الافتراضية وفي عالمنا الحقيقي على حد سواء.

أمس، كان الزميل والصديق جورج حواتمة، الإعلامي والصحفي المحترف، والرجل المشهود له بعفة اللسان ودماثة الخلق، ضحية واحدة من نوبات انحطاطنا الأخلاقي، دفع ثمن ممارسته للتفويض الذي جاء من أجله، وهو الارتقاء بأداء مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، في واقعة شكلت صدمة حقيقية للوسط الصحفي والإعلامي والسياسي على حد سواء.

وفي اليوم ذاته، قرأنا في الأخبار أن السيد بشار ناصر مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، قد تعرض لاعتداء مماثل من قبل موظف في دائرته، لم تعجبه «المناقلات» التي أجراها مديره، فترصد له، وانهال عليه بالضرب ... ما يعني أن على كل مسؤول في دوائر الدولة، أن يتحسب لعواقب قراراته الإدارية، وأن يتخذ ما يكفي من «الاحتياطات الأمنية» صبيحة اليوم التالي لتلك القرارات، فالكل جاهز للرد على أي قرار بضربة من منفضة، أو كمين ينصب في مرآب السيارات.

حادث آخر لا يقل بشاعة، وقع في اليوم ذاته، ويتعلق بالكشف عن أكبر جريمة سرقة مياه، تقوم بها شركة استثمارية يملكها نائب سابق... ففي بلد تشكو أكثرية سكانه العطش وشح المياه، يقوم هؤلاء بضخ ستة آلاف متر مكعب من الماء يومياً، أي بمعدل 1000 صهريج مياه من الحجم المتوسط.

لن ينتهي يوم الأربعاء الفائت، من دون أن يسجل حدثا رابعا أشد بشاعة، ويتمثل في اعتداء همجي منظم، على «حارس مصري»، من قبل شقيق «متمول» كبير، الضحية تُبرَح ضرباً وتجريحاً ويُنتهك عرضها ويلقى بها إلى قارعة الطريق، ومن قبل مجموعة منظمة، ملثمة ومدربة – كمال أجسام – استدعيت على عجل، لتنفي «أمر العمليات».

الأحداث الأربعة وقعت في يوم واحد، يجمعها العنف النابع من انعدام الأخلاق ... وجميعها من «العيار الثقيل» التي يصح فيها القول إنها قضية «رأي عام» ... لكن أكثر ما لفتني تعليقات القراء على خبر الاعتداء على «الحارس المصري»، فقد اتسمت بالشماتة والتشفي، وتبرير الفعلة النكراء، والمطالبة بالمزيد، ليس لأن الضحية مصري الجنسية بالأساس، مع أن هذا قد يكون «عذراً مخففاً» للجناة باعتقاد الكثيرين، ولكن لأن الضحية يعمل حارساً على باب ملهى ليلي ... أية «داعشية» هذه، وما الفرق بين مواقف أصحاب هذه التعليقات، والأحكام الشرعية التي يطبقها التنظيم في مناطق سيطرته.

تراجع الأخلاق والمنظومة القيمية، أمرُ متفق عليه، وإن كان في ظني، لا يفسر وحده تفشي ظاهرة العنف و»أخذ الحق بالذراع»، أو بالأحرى، ما يُعتقد أنه «حق» ... والتفسير الأسلم لهذه الظاهرة إنما يتعلق بتقاعس الدولة عن فرض سلطة القانون على الجميع من دون استثناء، وقبولها باعتماد «العدالة غير الرسمية» أو «القانون الموازي»، المسمى قانوناً عشائرياً ... فمن تجرأ على ضرب موظف عام رفيع المستوى وهو على رأس عمله، كان يعرف أن المسألة ستحل على «فنجان قهوة» ... ومن سرق مياه الأردنيين وباعها في السوق السوداء، كان يدرك أن لديه حصانة اجتماعية، أهم من حصانته النيابية، الزائلة بزوال المجلس على أية حال ... ومن نظم «عدواناً منظماً وممنهجاً» على عامل وافد، كان يعتمد على قوة المال والجاه، التي هي فوق القانون وليست تحته.

عندما تستقيل الدولة من بعض وظائفها، وتتركها لكيانات اجتماعية موازية، وعندما تفرط الدولة بسيادة القانون، لصالح قوانين وأعراف أخرى، من الطبيعي أن يتفشى التطاول على المؤسسات والأفراد، وأن يعم العنف المجتمعي، وأن تتبدد هيبة الدولة، وأن تسود «شريعة الغاب»، وأن يسعى كل «بلطجي» لفرض «قانونه الخاص».

هي أزمة سيادة القانون أصلاً، قبل أن تكون «أزمة أخلاق» ... والأخلاق يفرضها القانون، قبل أن تتحول مع الأيام والسنين، إلى عادات وسلوكيات وقيم اجتماعية، لا تحتاج إلى «شرطي» لتفعيلها وإنفاذها والالتزام بهديدها، و»إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أزمة أخلاق» أم «أزمة سيادة قانون» «أزمة أخلاق» أم «أزمة سيادة قانون»



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 05:00 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

أفكار عملية بسيطة لتنسيق حديقة منزلك في صيف 2018

GMT 05:38 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

"ماتشو بيتشو" مدينة ألانكا لغز وعظمة طاغية

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 17:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الاختلاف والتميز عنوان ديكور منزل الممثل جون هام

GMT 01:19 2016 السبت ,17 أيلول / سبتمبر

د. باسم هنري يُبشّر بعلاج للإنزلاق الغضروفي

GMT 18:18 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 07:12 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

جهزي طعامك بنفسك في مطعم " Dinning Club" في لندن
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca