"اليوم" حيث يتقرر مستقبل تركيا

الدار البيضاء اليوم  -

اليوم حيث يتقرر مستقبل تركيا

بقلم :عريب الرنتاوي

ثمانية وخمسون مليون ناخب وناخبة سيدلون بأصواتهم اليوم لتقرير مستقبل تركيا، في انتخابات لم تشهد لها البلاد مثيلاً من سنوات وعقود، وفي استحقاق حاسم، لجهة تقرير مستقبل هذا البلد الكبير، وشكل نظامه السياسي وحدود أدواره على الساحتين الإقليمية والدولية... تركيا غداً، قد لا تشبه تركيا اليوم، والمؤكد أنها لن تكون كذلك.

الرئيس أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية، يتربعان على عرش البلاد منذ ستة عشر عاماً متصلة، بلا انقطاع... والرئيس أنجز كافة الترتيبات لتحويل بلاده من النظام البرلماني، إلى النظام الرئاسي مطلق الصلاحيات... والمجتمع التركي منقسم ومستقطب مناصفة بين الرئيس وحزبه من جهة، ومعارضيه من كافة المشارب من جهة ثانية... وأدوار تركيا في الإقليم وأزماته المفتوحة وعلاقاتها مع الشرق والغرب، تثير الجدل باستمرار، وتلقى تأييداً شديداً من البعض ومعارضة أشد، من البعض الآخر... لا مساحات رمادية حين يتصل الأمر بالمواقف من تركيا – أردوغان، ولا مساحة للمواقف الوسط... الأبيض والأسود هما اللونان الرسميان المعتمدان في كل ما يخص سياسات تركيا، الداخلية والخارجية على حد سواء.

إن انتهت الانتخابات في جولتها الأولى، أو حتى الثانية، بفوز أردوغان بالرئاسة وحزبه بالأغلبية البرلمانية، لن يتغير شيء، سوى تركيز الصلاحيات بيد رجل واحد، مدعوم بأغلبية برلمانية موالية تماماً لشخص الزعيم ونهجه، وسنرى المزيد من الشيء ذاته، في الداخل والخارج... الديمقراطية التركية الناشئة ستكون في خطر شديد، تماماً مثلما كانت عليه في السنوات القليلة الفائتة... ولا ضمانات من أي نوع، باستقرار علاقات أنقرة بالخارج، ولا بوقف «تورطها» في أزمات المنطقة، والأهم من هذا وذاك، لا ضمانات باستمرار «المعجزة الاقتصادية»، الورقة الأهم في جعبة الحزب والرئيس الحاكمين طوال السنوات والاستحقاقات السابقة.

وإن فاز أردوغان بالرئاسة وفقد حزبه الأغلبية، فمن المرجح لمن يعرف «عقلية السلطان»، أن تذهب تركيا إلى ثالث انتخابات مبكرة في غضون سنوات ثلاث فقط... الرجل لا يقبل الشراكة ولا يقبل الجلوس في مقاعد المعارضة، جل تركيزه منصب على نيل الأغلبية في البرلمان، والبقاء في «قصره الأبيض الجديد»، والمؤكد أنه لم يمعن التفكير بأي سيناريو آخر.

وإن خسر أردوغان وحزبه الرئاسة والأغلبية البرلمانية، لا أحد يدري كيف ستكون ردود أفعالهما... البعض لا يستبعد تدخل الجيش لحفظ الأمن والاستقرار، كما كان يحصل من قبل... الخسارة في الحالة التركية، تبدو ممنوعة من منظور الحزب والزعيم... ولهذا تخشى أوساط واسعة أن يُنتهك «شرف صناديق الاقتراع»، وربما في سابقة قد تكون الأولى من نوعها، وعندها أيضاً، قد يقع ما ليس في الحسبان، فنزاهة الانتخابات وشفافيتها والقبول الحر والطوعي بنتائجها، هي شروط واجبة لحفظ الأمن والاستقرار والتداول السلمي على السلطة.

الرأي العام العربي منقسم حيال هذه الانتخابات، كما انقسم حيال ما سبقها من انتخابات واستفتاءات... البعض يصل الليل بالنهار داعياً المولى عزّ وجلّ، أن يأخذ بيد الزعيم، نصير الأمة الإسلامية وعامود خيمتها الكبيرة... والبعض الآخر يتمنى غروب شمس «السلطان» وحزبه و»العثمانية الجديدة»... المواقف هنا، تتقرر بناء على الانحيازات السياسية والإيديولوجية، وهي معروفة سلفاً في الغالب.

من منظور حفز وتطوير تجربة الديمقراطية الناشئة في دولة مسلمة كبيرة مثل تركيا، قدمت في سنوات صعود حزب العدالة والتنمية، دروساً ثمينة حول عيش الإسلام وتعايشه مع العلمانية والديمقراطية والحداثة، قبل أن تنحدر مواقف الحزب الحاكم في سياقات الربيع العربي، وبالأخص بعد اندلاع الأزمة السورية، إلى مصاف الخطاب التأزيمي لحركات الإسلام السياسي العربية، وقبل أن تتراجع تجربة الحريات والتحول الديمقراطي، بالأخص بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز 2016... نقول من منظور هذه التجربة وضرورات تطويرها، فإن خروج أردوغان وحزبه من السلطة، يبدو متطلباً ضرورياً لبث روح جديدة في هذه التجربة، واستنقاذ النظام البرلماني – الديمقراطي، واستعادة الحريات والحقوق، وتطبيع العلاقات التركية مع جوارها العربي والإقليمي، حتى وإن كان هذا الخروج مؤقتاً، وتتبعه عودة إلى مواقع الحكم بعد أربع سنوات.

ومن منظور استنقاذ هذه التجربة «النموذج»، يمكن لسيناريو ثان أن يكون مفيداً وفعّالاً، وإن بدرجة أقل، وأعني به سيناريو الشراكة مع أحزاب سياسية أخرى في البرلمان، تكبح جموح الزعيم الفرد، مطلق الصلاحيات، وتعيد وضع البلاد على سكة الاستقرار والنماء والحرية كذلك... لكن تجربة 2015 وضيق أردوغان بنتائجها، ودعوته لانتخابات مبكرة، ونجاحه بشن أكبر عملية ضد الأكراد في جنوب شرق البلاد، مكنته من العودة للحكم منفرداً، بعد أن كسب أصوات القوميين والطورانيين... مثل هذا السيناريو، الخطير، قد يُعاد انتاجه من جديد، إن خذلت الصناديق أحلام «السلطان»، ولكن بشروط أصعب وعواقب أوخم هذه المرة.

بقاء الزعيم أو الحزب السياسي لفترة متطاولة في السلطة، حتى وإن تم ذلك عبر صناديق الاقتراع، ليس دائماً بالأمر الجيد، فقد يعزز ميول التسلط والاستبداد، وقد يكرس مظاهر الفساد واستغلال النفوذ، وحده التداول على السلطة، وبدرجة ثانية، الشراكة فيها، يمكنهما منع ذلك، بل وحفز مسار التحول الديمقراطي والنزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة.

أمن تركيا واستقرارها مضمونان إن فاز الزعيم بالرئاسة وحزبه بالأغلبية، لكنهما سيكونان عرضة للتهديد والتبديد، إن انتهت الانتخابات إلى أي سيناريو آخر... حمى الله تركيا وشعبها الشقيق.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليوم حيث يتقرر مستقبل تركيا اليوم حيث يتقرر مستقبل تركيا



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca