دبلوماسية في حقل ألغام

الدار البيضاء اليوم  -

دبلوماسية في حقل ألغام

بقلم - عريب الرنتاوي

تجد الدبلوماسية الأردنية نفسها مضطرة في كثير من الأحيان (والأزمات) للسير بحذر في حقل من الألغام، وهذه حالة فريدة قد لا تجبه كثير من الدول في المنطقة والعالم... وكلما امتلك القائمون على هذه الدبلوماسية، خرائط تفصيلية بإحداثيات هذه الألغام وأماكن زرعها، كلما تعاظمت فرص النجاة ... وبخلاف عالم المتفجرات، فإن الخطأ في عالم الديبلوماسية ممكن ومسموح، شريطة ألا يكون من النوع المكلف للغاية، أما في عالم المتفجرات فخطؤك الأول هو خطؤك الأخير.
انظروا على سبيل المثال كيف تابعت الدبلوماسية الأردنية الملف السوري منذ بداية الأزمة قبل سبع سنوات، لقد اجتازت حقل ألغام شائك، واحياناً بلا خرائط ... وضعت لنفسها أهدافاً مشروعة قابلة للتحقيق، أهمها حماية أمن الأردن واستقراره ووقف تدفق مزيد من اللاجئين، في إطار رؤية تهدف إلى حفظ وحدة سوريا وسيادتها وتخليصها من الإرهاب، وعدم تحولها إلى مصدر للفوضى الإقليمية الشاملة.
لتحقيق هذه الغاية، عمل الأردن على نحو وثيق مع الولايات المتحدة وأوروبا، ونسج أوثق العلاقات مع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين، مع أن الأخير كان ولا يزال هاجس واشنطن وعدوها اللدود، وكذا لبعض العواصم الأوروبية، لم يقطع مع إيران مع أنه يراها تهديداً، ولم يتماه مع تركيا، مع أن علاقاته بأنقرة طبيعية ... انضوى في حلف عربي، لكنه ميّز نفسه عن عواصمه الكبرى، لم يجار الدوحة والرياض في سوريا ولم يصطدم بهما، لم يقطع مع النظام في دمشق، ولم يجرب قصة عشق مع المعارضات السورية ... إلى أن أخذت الأزمة السورية طريقها للاستقرار بدءاً باتفاق الجنوب الثلاثي، الذي كانت مصالح الأردن وحساباته، في القلب منه.
وانطروا إلى الأزمة الخليجية غير المسبوقة، فالأردن اختار ألا يزج بنفسه في أتون هذه الأزمة، على الرغم من رئاسته للقمة العربية، فهو يعرف حدود الممكن وخطوط المستحيل الحمراء المرسومة بين الدول المحتربة ... لم يقطع مع قطر واكتفى بالحد الأدنى من الإجراءات ضدها، وهذه كانت مفهومة تماماً ومقبولة إلى حد كبيرة حتى من قبل خصوم الدوحة في الرباعي العربي ... لم يتنطع للوساطة، فهو يعرف كلفة فشلها، ويعرف أن أطراف الصراع لا تريده وسيطاً، لكنه لم يتوقف عن حث الأطراف للبحث عن حلول سياسية للأزمة ... خلاصة المقاربة الأردنية للأزمة الخليجية: ليس بالإمكان أبدع مما كان.
وفي العراق كذلك، لم يذهب الأردن بعيداً في انحيازاته، احتفظ بأحسن العلاقات مع مختلف المكونات، وهو وإن اختلف مع بعض أركان المكون الشيعي، إلا أنه حافظ على علاقات جيدة مع أطراف أخرى، وهي يقيم علاقات متوازنة مع سنة العراق وأكراده، على اختلاف مشاربهم وتوزع ولاءاتهم وانحيازاتهم ... لذا كان طبيعياً أن تستقبل عمان جميع العراقيين، وأن تتواصل مع جميع العراقيين.
في اليمن، الأردن جزء من التحالف العربي بقيادة السعودية، لكنه ، حافظ على “الحد الأدنى” الذي لا يطيح بعلاقاته مع السعودية والإمارات ... 
الخبرة الأردنية في إدارة الدبلوماسية وسط حقلٍ من الألغام، قديمة ومتراكمة، ونابعة بالأساس من “ديكتاتورية الجغرافيا”، البعض يقول “عبقريتها”، التي وضعت بلداً صغيراً بين دول إقليمية كبرى، تدخلية ومتنافسة وطامعة أحياناً ... الأمر الذي أكسبه مهارات وخبرات، ساعدته من قبل على النجاة وتساعده من بعد على اجتياز المنعطفات الأخطر بأثمان وخسائر أقل.
لا يعني ذلك أن هذه الدبلوماسية لم تقع في الخطأ، ولم تقارفه بتاتاً، يصعب أحياناً ضبط الميزان والاحتفاظ بالتوازن عند السير فوق حبل مشدود ... شهدنا اختلالات هنا وشطحات هناك، لكن المحصلة العامة للجهد والأداء، كانت إيجابية في غالب الأحيان ... ولنا أن نتخيل الأثمان التي كان سيتعين على الأردن دفعها، لو أنه أخذ بمقترحات بعض تياراته السياسية والفكرية بالانحياز لهذا المحور ضد ذلك، أو الاصطفاف خلف هذا الفريق في مواجهة فريق آخر.
ولا يعني ذلك أن هذه الدبلوماسية مفهومة ومقبولة من قبل جميع الأردنيين، فهي موضع جدل فيما بينهم من جهة، وثمة تقصير في مواكبة هذه الدبلوماسية وشرح مراميها ومحدداتها وضوابطها من جهة ثانية، سيما بعد أن فقدت الدولة الأردنية أدواتها الإعلامية، وبعد أن غاب حزبها “حزب الدولة الأردنية وتيارها”، عن الحياة السياسة العامة، أو جرى تغييبه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية في حقل ألغام دبلوماسية في حقل ألغام



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca