الدم السوري ... بـالألوان

الدار البيضاء اليوم  -

الدم السوري  بـالألوان

بقلم عريب الرنتاوي

ليس للدم السوري لون واحد على ما يبدو، فهو عند أنصار النظام باللون الأزرق، وعند خصومه بالأحمر القاني، حين يُراق على أيدي قوات النظام في الأحياء الشرقية لمدينة حلب ... الحكاية ذاتها تتكرر بصورة معكوسة، عندما ينزف السوريون دماءهم في الشطر الغربي للمدينة، بفعل قذائف المعارضات وصواريخها ... ومن يتتبع البث الفضائي العربي، يصعق لحجم الدجل والزيف والنفاق الكامن خلف حفلات الردح والبكائيات التي لا تتوقف ... إنها حفلة جنون جماعية، وبازار للمتاجرة بدماء السوريين، لا فرق إن قادتهم أقدارهم للإقامة على هذا المقلب أو ذاك، في المدينة المنكوبة.

بعيداً عن “العواطف” أو بالأحرى، عن المتاجرة بدماء السوريين المدرارة، التي تُستَخدم على أبشع ما يكون عليه الاستخدام، لاستدرار التعاطف والتأييد ... فإن للمعركة المحتدمة في حلب دوافع وبواعث، تجعل منها “حتمية”، فهي “بيضة قبان” ميزان القوى بين النظام وحلفائه من جهة، والمعارضات وداعميها ورعاتها من جهة ثانية ... إنها معركة لا بد منها، عاجلاً أم آجلاً، لتبديد التباس موازين القوى وغموض الأحجام والأوزان بين المعسكرات المتحاربة في سوريا وعليها.

استراتيجياً، لا يمكن للنظام أن يدعي هزيمة خصومه ومعارضيه، إن ظلت حلب، أو شطر منها، في أيديهم، وبالأخص، إن ظلت شرايين دعم وإمداد الفصائل المسلحة، متصلة بـ “العمق الاستراتيجي” التركي ... هذا أمرٌ لا يمكن أن يكون في صالح المفاوض السوري في جنيف تحت أي ظرف، وتبديله مصلحة عليا للنظام، لا تعلوها مصلحة في الوقت الحاضر.... ومن منظور المعارضة، فإن حلب، وحلب وحدها، تعطيها الإحساس بانها “معادل موضوعي” للنظام، الذي أحكم قبضته على دمشق، من دون ذلك، ستتحول إلى “معارضة طرفية”، ليس لها مواطئ أقدام في “الحواضر السورية الكبرى”، خصوصاً بعد أن أحكم النظام سيطرة أو يكاد، على معظم “سوريا المفيدة” باستئناف إدلب.

تكتيكياً، ومن باب “ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه”، فإن للمعركة في حلب دوافع أخرى من وجهة نظر النظام وحلفائه ... أهمها على الإطلاق، تقطيع شرايين الإمداد بين المدينة وأريافها الشمالية، و”قطع دابر” التمدد التركي في العمق السوري، والقضاء على نحو شبه نهائي، على أحلام السلطان بوصول “منطقته الآمنة” إلى ثاني أكبر وأهم المدن السورية ... لهذا تبدو المعركة في حلب وعليها، دامية ومريرة ومديدة، والأرجح أن دماء كثيرة ستسيل في الطريق لحسمها، وسيسقط المزيد من المدنيين الأبرياء.

وتكتيكياً أيضاً، ولكن هذه المرة من منظور الحرب على الإرهاب، يبدو أن للمعركة في حلب وعليها، أهمية خاصة لفرز وتصنيف الفصائل المسلحة، جغرافياً هذه المرة وليس إيديولوجياً ... فالتهدئة سقطت في مثلث حلب – إدلب – اللاذقية، جراء التداخل في مناطق انتشار النصرة وتشابك تحالفاتها مع من يصنفون كـ “معارضة معتدلة” ... سمح ذلك باهتزاز التهدئة وترنح مشروع “وقف الأعمال العدائية” .... المطلوب اليوم، إحداث الفرز الجغرافي، كأن تنأى الفصائل عن النصرة، لا إيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً فحسب، بل وجغرافياً كذلك، ليترسّم “فك الارتباط” بين الحرب على الإرهاب المفتوحة بلا تهدئات ولا هدن، وحرب الداخل السوري، التي تحتمل التصعيد والتبريد وفقاً لمسارات جنيف وعلى إيقاعاته، هنا وهنا بالذات، يكمن السبب وراء اتهامات المعارضة لواشنطن بالتواطؤ مع موسكو لإعطاء النظام ضوءً أخضر في حلب.

ومن يتتبع خطوط القتال وجبهات المعارك يرى أنها تدور حول هذه المحاور والأهداف: النظام يسعى في السيطرة على شريان حندرات - الكاستيلو الاستراتيجي، والمعارضة (النصرة أساساً) تسعى في إحكام سيطرة على بلدة العيس وتلتها الاستراتيجية وصولاً لبلدة الحاضر، لاختراق قلب مواقع النظام في المدينة ... أما داعش عن بعد، فلم يفقد الأمل باستعادة بلدة خناصر، خط الإمداد الرئيس لقوات النظام في ريف حلب الشرقي ... خريطة شديدة التعقيد والتشابك من حيث المصالح واللاعبين والأهداف، حيث لا يبدو أن أكراد سوريا بعيدين عنها بدورهم، وهم الذين نجحوا في صد هجوم “تركي غير مباشر” على تل رفعت قبل ثلاثة أيام في محاولة يائسة من أنقرة، لمنعهم من الوصول إلى بلدة إعزاز الاستراتيجية.

أهمية المعارك الطاحنة التي تجري على مختلف المحاور في حلب و”أكنافها”، هي التي تفسر فيضان الدموع الذي تذرفه الأطراف المختلفة، على الضحايا الأبرياء التي تسقط هنا وهناك، والذي يكاد يفوق طوفان الدماء البريئة المسكوبة على ضفتي الصراع الدائر، وقد علمتنا الكارثة السورية، أن ندقق في تفاصيل الميدان ومجرياته، كلما اهتاجت الفضائيات وماجت، فغالباً ما تكون “درجة الاستنفار” التي تعلنها “غرف الأخبار” انعكاساً دقيقاً لحالة الاستنفار التي تعيشها “غرف العمليات” الأمنية والسياسية في العواصم ذاتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدم السوري  بـالألوان الدم السوري  بـالألوان



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 05:00 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

أفكار عملية بسيطة لتنسيق حديقة منزلك في صيف 2018

GMT 05:38 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

"ماتشو بيتشو" مدينة ألانكا لغز وعظمة طاغية

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 17:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الاختلاف والتميز عنوان ديكور منزل الممثل جون هام

GMT 01:19 2016 السبت ,17 أيلول / سبتمبر

د. باسم هنري يُبشّر بعلاج للإنزلاق الغضروفي

GMT 18:18 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 07:12 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

جهزي طعامك بنفسك في مطعم " Dinning Club" في لندن
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca