طبقات الكتاب

الدار البيضاء اليوم  -

طبقات الكتاب

بقلم - عريب الرنتاوي

تتكاثر الصفات والألقاب على الشاشات الفضية بتكاثر الخبراء والمحللين الذين يَشغَلونها... هذا كاتب ومحلل سياسي، وذاك خبير عسكري واستراتيجي، هذا مفكر عربي وذاك مفكر إسلامي، وثالث خبير في الشؤون الإقليمية والدولية، بما يغطي نصف مساحة الكرة الأرضية على أقل تقدير، إن لم نقل يحيط من مختلف أطرافها ... أما كلمة «معروف» فتترك عادة للمذيع والمذيعة، لإلحاقها بالاسم والتعريف، زيادة في تبجيل الضيف وإضفاء الأهمية على ما قال أو سيقول.
ليست لدي مشكلة في كل ما ورد، مع أنه يخفي شكلين من أشكال «التمييز العنصري» بين الكتاب والمحللين ... الأول، يتأتى عن درجة انحياز الضيف إلى وجهة نظر غرفة تحرير القناة (إقراء غرفة عملياتها، فلم تعد هناك غرف تحرير بالمعنى المتعارف عليه للكلمة)، إذ كلما بدا الضيف لصيقاً بالخط السياسي للقناة ورعاتها ومموليها، لك أن تتوقع أعلى درجات التبجيل والتمجيد، بل ويصبح الإغداق على الضيف بالألقاب، ضرباً من تعزيز صدقية المؤسسة الإعلامية ودلالة على صحة وجهتها وتوجهها.
أما النوع الثاني من التمييز، فينتمي إلى مدرسة «طبقات الشعراء»، ولك أن تتخيل تراتبية 
«طبقية» في الألقاب والصفات، تبدأ من قمة الهرم بالمفكر العربي أو المفكر الإسلامي، مروراً بالباحث والخبير والمحلل الاستراتيجي، وتنتهي بالكاتب الصحفي أو الإعلامي، في أدنى قاعدة الهرم ... لكنك ستصاب بالدهشة بعد مرور دقائق معدودات على حديث المتحدثين، عندما تنعدم «الفوارق الطبقية» فيما بينهم، مع حرص فائض يبديه بالعادة، المفكرون والمحللون الاستراتيجيون، على تقطيب الحاجبين، والحديث «من غير النفس»، والنظرة من الأعلى ... أفضل طريقة للتعرف على جدية وعمق هذه الفوارق، هي في «تفريغ» النص وقراءته، بعد التخلص من المؤثرات الصوتية ولغة الجسد والحركات والإيماءات، هنا يصبح التقييم الموضوعي أمراً ممكناً.
ولا مشكلة عندي أو لدي، في وجهات نظر المتحدثين، أحسب أن من حق كائن من كان، أن يتبنى ما شاء من مواقف وأفكار، وأن ينتمي إلى ما شاء من المدارس الفكرية والإيديولوجية ... بيد أنني أجد صعوبة وعسراً شديدين في هضم مواقف «المؤلفة جيوبهم» من منتسبي «الكتائب الإعلامية» المتصارعة على أثير الفضائيات ... خاصة إن توفرت لك الفرصة للتعرف على مواقفهم الفعلية، وليست تلك التي ينطقون بها أمام الكاميرا، لاسترضاء هذه المحطة أو تلك، هذا النظام أو ذاك.
في زمن «الاحتواء الناعم» المتخطي للحدود الوطنية والإقليمية، بات ضرورياً أن تجهد في البحث عن «مربط فرس» المتحدث، قبل الاستماع إليه، أو إجهاد النفس في تحليل مضامين حديثه ومراميه ... طبعاً من الظلم اتهام الجميع بهذه «الفرية»، فثمة من هم فوق الشبهات على هذا الصعيد ... لكن كثرة من المحللين والباحثين والمحللين العسكريين والاستراتيجيين، غرقوا في مستنقع البترودولار الأسود، وباتت ألسنتهم تلهج بالدعاء لأولياء النعم، ولسان حال مشغليهم يقول: كلما ازددت دفاعاً زدناك دفعاً.
بعض هؤلاء، بمقدوره المزايدة على «أمة لا إله إلا الله» بأسرها، في «الوطنية» و»الالتزام»، وهو يستطيع أن يراهن بنجاح، وفي كثير من الأحيان، على توافق السياسة الأردنية مع سياسات الدول المانحة (المانحة له وليس للأردن بالضرورة)، لكن وضعه يصبح أكثر صعوبة وحرجاً، عندما تتناقض المصالح وتفترق الطرق، هنا نقترب من المحك، من لحظة الاختبار، من لحظة الحقيقة والاستحقاق... هنا يفقد اللسان طلاقته، وتنطفئ النظرات الحادة في العيون والمآقي، لتحل «اللعثمة» و»النظرات المنكسرة» محلها، أقله عند كثيرين من «المؤلفة جيوبهم»، لكن بعضهم «طق شرش الحياء في وجهه»، فيمعن في حربه الدونكيشوتية حتى النهاية، بل ويبدي إصراراً وقحاً على أن يكون «كاثوليكياً أكثر من البابا نفسه».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبقات الكتاب طبقات الكتاب



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca