أخر الأخبار

«الاقتصاد» قاطرة تجر التاريخ

الدار البيضاء اليوم  -

«الاقتصاد» قاطرة تجر التاريخ

بقلم : عريب الرنتاوي

يعود «الاقتصاد» للعب دوره التاريخي، كقاطرة تجر التاريخ وتكتب فصوله المتعاقبة ... هو فتيل التفجير الأول في ثورات الربيع وانتفاضاته ... وهو اليوم، كما كان بالأمس، المحرك «النفاث» لثورات الخبز والاحتجاجات الشعبية (الشبابية أساساً) التي تندلع تباعاً في عدة دول عربية، وفي ظني أن «الحبل على الجرار».
تشهد محافظات العراق الجنوبية حراكاً شعبياً غير مسبوق، ضد فشل حكومات المحاصصة و»الإسلام السياسي» التي تعاقبت على حكم بلاد الرافدين، منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين ... فشلٌ مسً حياة كل مواطن عراقي من دون استثناء، وفي كل مرفق من مرافق حياته، على الرغم من العائدات النفطية الهائلة، التي ضاع معظمها في الصرف على مؤسسات ثبت أنها «كرتونية» مع أول تقدم لـ»داعش» صوب الموصل، فيما أغلبها ذهب إلى جيوب المتنفذين من ساسة ورجال دين، في واحدة من أبشع قصص الفساد التي تزكم الأنوف.
لبنان أيضاً كان ساحة من ساحات اختبار دور «الاقتصاد» في تحريك الجماهير الغاضبة من نظام المحاصصة الطائفية.... نقص الخدمات المروّع، وتغوّل نخبة من المتنفذين، و»زواج المتعة» الذي لا طلاق فيه بين الساسة و»البيزنيس»، حمل اللبنانيين، الشباب بخاصة، إلى خوض المواجهة تلو الأخرى، فيما المعركة ما زالت مفتوحة بانتظار يقظة اللبنانيين على «خراب» نظامهم السياسي.
«هبة رمضان» الشعبية غير المسبوقة في الأردن، بدأت بضريبة الدخل، لكن جذورها ضاربة في صميم بنية النهج الاقتصادي للحكومات المتعاقبة، والمتّسم بغياب الشفافية وتفشي الفساد ونقص الحساسية للتداعيات الاجتماعية لسياسات الإصلاح الاقتصادي ... هبة شعبية، أطاحت بحكومة وجاءت بأخرى، وانخرطت في صفوفها قوى وفئات وشرائح مجتمعية، لم يعهد عنها المشاركة في هكذا أنشطة... القصة لم تكتمل بعد، وإن كنّا نشهد على بداية عودة الإحباط وخيبة الأمل، بدءاً بالتأليف مروراً بالبيان الوزاري وانتهاء بمارثون الثقة ومناقشاته.
في المغرب، تحول «حراك الريف» إلى حراك وطني – اجتماعي واسع وعريض، بل وممتد، وتحولت شخصياته المحلية إلى رموز وطنية، فيما الدولة تقف عاجزة عن التعامل مع هذا الحراك، بما يستجيب لمطالبه المشروعة، ويقطع الطريق على تداعياته التي تنذر بدخول أطراف أخرى على الخط، وتحول شعاراته من «المطلبي» إلى «السياسي»
في تونس، أول الثورة، وأول الديمقراطية في العالم العربي، يواصل «الاقتصاد» وظيفته في تحريك الشارع، وإخراجه عن طوره، ويقف «التوانسة» أمام حصاد ثورتهم الرائدة، بكثير من الحسرة والخيبة، إذ حتى الآن، لم تضف حكومات ما بعد زين العابدين بن علي، حجراً رئيساً واحداً، في مدماك العمارة التونسية، فما معنى الثورة إن لم يتلمس أبناؤها نتائجها ويتذوقون ثمارها، الاقتصادية والاجتماعية، وليس السياسية فحسب.
في مصر اليوم، يبدو المشهد شبيها بما كان عليه عشية «يناير 2011»، حراكات احتجاجية متقطعة ومتنقلة، مناطقية وقطاعية، فيما الغضب من مآلات الحياة الاقتصادية الصعبة التي تعتصر المصريين، يتراكم تحت السطح، وينذر بشتى الاحتمالات والعواقب، ومن بينها «ثورة ثالثة» في غضون عشرية واحدة من السنين. 
وما ينطبق على هذه العينة من البلدان، ينطبق بأقدار متفاوتة على بقية البلدان والمجتمعات العربية... والعرب اليوم، يدفعون الأثمان الباهظة للفشل المتراكم لدولهم الحديثة، دول ما بعد الاستقلالات الوطنية، حيث حلّوا أخيراً في قوائم التنمية البشرية، وفي شتى الحقول والميادين تقريباً.
لا الأنظمة القديمة نجحت في معالجة «المعضل الاقتصادي – الاجتماعي» ولا الأنظمة الحديثة المنبثقة عن الثورات ... لا الدول العلمانية – العسكريتارية نجحت في تحقيق الإنجاز المنتظر، ولا أنظمة «الإسلام السياسي السني والشيعي» وحكومات المحاصصة المذهبية والطائفية نجحت في ذلك ... هو الفشل العميم، الذي ينذر بتعميم حالة عدم الاستقرار وتفاقمها، بل ويمهد لموجة جديدة من ثورات الربيع العربي وانتفاضاته، لكأننا اليوم كما قلنا بالأمس، أمام قطار جارف، لن يتوقف قبل المرور بجميع محطاته، وفي مختلف عواصم الوطن الكبير، من محيطه إلى خليجه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الاقتصاد» قاطرة تجر التاريخ «الاقتصاد» قاطرة تجر التاريخ



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 19:03 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تشعر بالإرهاق وتدرك أن الحلول يجب أن تأتي من داخلك

GMT 23:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

عبد الكبير الوادي يصدم الرجاء برفضه لتجديد العقد

GMT 10:10 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

زيادة معدلات الطلاق في مصر إلى 170 ألف حالة سنويًا

GMT 19:23 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب فيديو يوثق لممارسة تلميذ الجنس مع تاجر في كلميم

GMT 14:04 2015 الأحد ,12 إبريل / نيسان

4 خلطات من حب العزيز للتسمين

GMT 07:53 2015 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

برمجة مسلسل "مقطوع من شجرة" للموسم الثاني على التوالي

GMT 19:33 2013 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

8 نصائح مفيدة لتصمم غرفة مشتركة عصرية

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 13:26 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

مكسيم خليل يكشف عن أمنياته للعام الجديد عبر "تويتر"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca