« عقوبات جماعية» ضد الجبهتين

الدار البيضاء اليوم  -

« عقوبات جماعية» ضد الجبهتين

بقلم عريب الرنتاوي

في مسعى تأديبي لقمع كل صوت معارض، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف مخصصات كل من الجبهتين الشعبية والديمقراطية من الصندوق القومي الفلسطيني...إجراء قوبل باستنكار واستهجان مختلف الفاعلين السياسيين في الحركة الوطنية الفلسطينية، وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدل على ضيق صدر السلطة ورئيسها، بكل صوت معارض، حتى وإن كان بـ “القدر المضبوط” الذي ميّز سلوك التنظيمين اليساريين، خصوصاً الجبهة الديمقراطية.

هذا السلوك الذي لا يختلف كثيراً عن سلوك كثير من أنظمة الاستبداد العربية، يحيلنا إلى وقفة مع فكرة “المال العام”، وفي الحالة الفلسطينية فهذا المال، هو حصيلة ما تتوافر عليه السلطة والمنظمة من أموال الضرائب والجمارك والتبرعات والاقتطاعات والمساعدات الصديقة والشقيقة المستحقة لهذا الشعب المناضل، واستتباعاً فهذا مال عام، لا يحق لأحد أن يتصرف به منفرداً، حتى وإن كان في “مقام الرئاسة”، فمخصصات الفصيلين مستحقة لهما، بفعل سجلهما الكفاحي الطويل والعريض، المرصع بمئات الشهداء على مدى نصف قرن من النضال في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة.

والقرار بشأن أمورٍ كهذه، لا ينبغي أن يكون رهنا بموقف الرئيس أو بمزاجه الخاص، فالأصل، أنه قرار مؤسسي، نابع من تقدير دقيق للموقف والمصلحة، وغير خاضع لتبدلات المواقف والمواقع، ولا للأمزجة الشخصية لهذا المسؤول أو ذاك ... وما تعين للفصيلين بقرار مؤسسي، لا يُلغى إلا بقرار مؤسسي آخر، إن جاز لنا أن نتحدث عن مؤسسات ومؤسسية في الحالة الفلسطينية، وهو أمر لا يمكن الإقرار بوجوده بحال من الأحوال.

كنّا نتساءل عن السر الكامن وراء “المعارضة الناعمة” التي يبديها اليسار الفلسطيني حيال سياسات الرئيس ومواقفه، سيما بعد أن بلغ الشطط بهذه السياسات مبلغه، وبعد أن أدار الظهر لقرارات المجلس المركزي الفلسطيني، أعلى سلطة قرار لدى الشعب الفلسطيني في غياب المجلس الوطني الفلسطيني ... نعرف اليوم، أن الفصائل ممسوكة من “خوانيقها”، وأن أوضاعها المالية والإدارية والتنظيمية، قد وضعتها في خانة لا تحسد عليها، لا على المستوى المؤسسي، ولا على المستوى الفردي، إذ باتت الكثرة الكاثرة من قادة وكوادر ومناضلي هذه الفصائل، يعتمدون كليةً على الرواتب التي تقدمها لهم السلطة الفلسطينية.

وكنّا نتساءل أيضاً، عن صحة المعلومات والتقارير التي تتحدث عن “قيادة متفردة”، لا تحتمل النقد والاعتراض، يدير بها الرئيس مؤسسات السلطة والمنظمة .... إلى أن اتضح لنا أن تنظيمات بحجم “الشعبية” و”الديمقراطية” وإرثهما التاريخي في المنظمة والحركة الوطنية الفلسطينية، ليستا بمنأى على الإجراءات العقابية، التي طالت وطاولت كوادر وشخصيات من فتح والمنظمة، أبدت اعتراضها أو عدم اتساقها، مع نهج الرئيس وسياساته.

لا يستطيع الرئيس أن يمضي في “إدارته” للمشهد الفلسطيني على هذا النحو ... الشك والاتهامية لا يمكن أن تكون سياسة أو إدارة ... و”العقوبات الجماعية” على فصائل بأكملها، لا يمكن أن تؤسس لعلاقة نضالية بين مختلف كيانات العمل الوطني الفلسطيني، فإذ كان الرئيس غير قادر على تقبل ملاحظات وانتقادات من هذين الفصيلين، فكيف سيكون بمقدوره استيعاب حماس والجهاد الإسلامي تحت سقف المصالحة والوحدة الوطنية، فهل هذه هي التعددية الفلسطينية التي يتحدث عنها، هل هذه هي “ديمقراطية غابة البنادق” التي طالما تغنى بها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات؟

لقد وجد خصوم الرئيس في قراراته الأخيرة ضالتهم للانقضاض عليه والتنديد بنهجه المنفرد، مع أن سجلهم في هذا المجال، ليس أفضل كثيراً ... حماس أعربت عن تضامنها مع الجبهة الشعبية ودانت مواقف الرئيس، مع أن زمناً أتى على الحركة، كانت فيه في “وضعية مالية” أفضل من فتح والسلطة، من دون أن تظهر أي سخاء يذكر، حيال الفصائل الصديقة والحليفة لها، ولطالما اشتكى مسؤولون من هذه الفصائل، من سياسة “التقطير” التي تتبعها الحركة حيالهم، وأحياناً من سياسة “استخدام المال لكسب التأييد”، كما حصل مع بعض فصائل دمشق، والتي هي في غالبيتها، انشقاقات عن الفصيل الأم.

لقد ضيّعت فصائل اليسار الفلسطيني فرصاً عديدة لبناء استقلالها المالي، ومع قيام السلطة الفلسطينية، بدا أنها أصبحت أكثر اعتمادية على القوى التي تناهضها سياسياً وفكرياً ... وما لم تعمد هذه الفصائل، إلى اجتراح استراتيجية مالية استقلالية، فهيهات أن تنجح في الحفاظ على قرارها المستقل، أو أن تقوى على ترجمة برامجها إلى من الأقوال إلى الأفعال... الكرة في ملعب اليسار الفلسطيني، “ورب ضارة نافعة”، إن أُجيد استثمارها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

« عقوبات جماعية» ضد الجبهتين « عقوبات جماعية» ضد الجبهتين



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 05:00 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

أفكار عملية بسيطة لتنسيق حديقة منزلك في صيف 2018

GMT 05:38 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

"ماتشو بيتشو" مدينة ألانكا لغز وعظمة طاغية

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 17:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الاختلاف والتميز عنوان ديكور منزل الممثل جون هام

GMT 01:19 2016 السبت ,17 أيلول / سبتمبر

د. باسم هنري يُبشّر بعلاج للإنزلاق الغضروفي

GMT 18:18 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 07:12 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

جهزي طعامك بنفسك في مطعم " Dinning Club" في لندن
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca