محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

الدار البيضاء اليوم  -

محمود عباس فى البيت الأبيض من دون فلسطين

بقلم : طلال سلمان

فجأة، ومن دون مقدمات تفسر استذكار الموضوع الفلسطينى فى هذه اللحظة السياسية الفاصلة بين عهدين أميركيين، بكل التطورات اللاحقة، عادت «القضية» إلى الواجهة، مجردة من قدسيتها، وكمسألة سياسية خاضعة للمزايدة والمناقصة، فلسطينيا وعربيا ودوليا.

من دون مقدمات، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركى دونالد ترامب سيستقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلال الأيام القليلة المقبلة.

من دون مقدمات، أعلنت منظمة «حماس» فى غزة عن انفصالها تنظيميا عن الإخوان المسلمين، الذين كانوا فى أساس قيامها وسيطرت على السلطة فى غزة بشعاراتها، وكانت قيادتها تتبع تنظيميا لحركة الإخوان.. وعلاقاتها مع التنظيم عضوية، وباسمه حكمت غزة و«استقلت بها عن «السلطة» فى رام الله».

الطريف أن هذا الإعلان قد صدر من قطر، التى تعتبر حاليا الحاضنة العربية لحركة الإخوان، فى حين تشكل تركيا أردوغان الحاضنة الدولية.

وكان منطقيا أن يتم الربط بين هذه التطورات، وبين مسار العلاقات الحميمة بين الرئيس الأميركى الجديد وحكومة العدو الإسرائيلى بقيادة بنيامين نتنياهو وشركائه فى القيادة الحالية من أهل اليمين المتطرف فى الكيان الإسرائيلى.

ثم بين هذا كله وبين مشروع زيارة الرئيس الأميركى ترامب إلى الكيان الصهيونى وما تردد عن احتمال أن تشمل هذه الزيارة مدينة القدس الشريف كخطوة حاسمة على طريق الاعتراف بها كـ«عاصمة أبدية» للكيان الصهيونى..

مفهوم أن مجمل هذه التطورات لا يمكن فصلها عن مقررات القمة العربية الأخيرة فى عمان، والتى أعادت إحياء المبادرة السعودية التى تبنتها قمة بيروت العربية فى العام 2002، مع شىء من التعديلات التى فرضها تطور العلاقات الدبلوماسية والسرية بين حكومة العدو الإسرائيلى وعدد من الحكومات العربية، لا سيما فى أقطار الجزيرة العربية والخليج (الأمير تركى الفيصل ولقاءاته وتصريحاته العلنية، العلاقات المتنامية مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين، فضلا عن قطر..) 

فى هذه الأثناء يستمر إضراب الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية للأسبوع الثالث على التوالى، وسط تعنت سلطات الاحتلال رفضها النظر فى مطالب هؤلاء المعتقلين، وغالبا بلا محاكمة.. فى حين تواصلت حركة التضامن خارج المعتقلات معهم وقررت نخب من الشعب الفلسطينى أن تشارك رمزيا فى دعم المضربين بأن تتوقف عن الطعام والشراب مكتفية بزجاجات من الماء والملح. 

كذلك فقد انطلقت فى مختلف أنحاء الضفة الغربية مسيرات تضامن ومساندة للمعتقلين المضربين عن الطعام والشراب فى سجونهم، ومن المنتظر أن تتوسع هذه الحركة وأن تترك آثارها على التحركات السياسية، وبشكل خاص على الزيارة العتيدة لمحمود عباس إلى واشنطن.

عباس فى البيت الأبيض

من المؤكد أن محمود عباس ينتظر اللقاء مع الرئيس الأميركى الجديد دونالد ترامب على أحر من الجمر. إن صورة المصافحة فى المكتب البيضاوى «إنجاز تاريخى».

ولكن ماذا يمكن أن يطلب عباس؟

ماذا يمكن أن يعطى ترامب لهذا الضيف الطارئ عليه، والآتى من خارج جدول اللقاءات الروتينية للرئيس الأميركى؟

إن أى تحليل منطقى للمواقف والتطورات على الصعيد الأميركى فى عهد الرئيس الجديد، غريب الأطوار، ينتهى إلى أن أهم ما يمكن أن ينتج عن هذه الزيارة هى الصورة التقليدية للرئيس الأميركى وهو يرحب بضيفه فى المكتب البيضاوى.

فالولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى، لا يقرر سياستها مزاج هذا الرئيس أو ذاك.. علما بأن صلاحيات الرئيس محددة ومحدودة، وأى تصرف له أو قول من خارج هذه الحدود لا قيمة له عمليا.. فالقرار للمؤسسات فى الإدارة، وفيها المخابرات بداية (وهى أجهزة شتى) والخارجية، وهناك الكونغرس بمجلسيه، حيث يتم النقاش وتحضير مناخ القرار.

ليس الرئيس الأميركى حاكما مطلقا فيقرر فيطاع.. ثم لماذا سيكون ترامب المضارب فى البورصة والذى نشأ وترعرع فى أوساط يسيطر عليها اللوبى الصهيونى وبيوت المال اليهودية، والذى شكل اليهود الصوت المرجح له فى الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لماذا سيكون هذا الرئيس الجاهل فى التاريخ وفى السياسة الدولية متعاطفا مع الشعب الفلسطينى وحقوقه فى أرضه الوطنية، و«حاضنته» السياسية صهيونية أساسا، ومصالحه المالية مرتبطة باللوبى اليهودى.. ثم أن السياسة الأميركية لا يقررها شخص بمعزل عن عواطفه وآرائه. وإلا لكان باراك أوباما أجدر باتخاذ قرار جرىء، من ترامب الجاهل بالتاريخ والمدين للنفوذ الصهيونى فى أمريكا ببعض الفضل فى ترجيحه على منافسته هيلارى كلينتون.

بالمقابل، ماذا لدى الرئيس ــ الأسير محمود عباس ليقدمه من موقعه القيادى فلسطينيا للرئيس الأميركى ــ الذى لا بد أن يعرف أو يجد من يعرفه ــ إلى ما تعانيه حركة فتح من انقسامات وخلافات شلت قرار السلطة، التى لم تعد تجد المال الكافى لدفع رواتب موظفيها العسكريين والمدنيين.. والتى تعانى من عجز عن القرار، نتيجة الخلافات داخل السلطة، قبل الحديث عن «السلطة المنافسة» فى غزة، والتى أكملت أخيرا «الانفصال» عن السلطة المركزية فى رام الله.

ثم أن الانتخابات المقرر إجراؤها لاختيار مجلس وطنى جديد تنبثق عنه «حكومة جديدة» ترجأ كل ما حان موعدها مما يجعل «السلطة» مطعونا فى «شرعيتها»، ولو نظريا.

فإذا ما افترضنا، جدلا، أن الرئيس الأميركى متعاطف مع الشعب الفلسطينى أكثر من تعاطفه مع إسرائيل، وهذا محال، فما يملك ترامب ليعطيه لمحمود عباس غير الصورة فى المكتب البيضاوى.. هذا إذا لم نقل أنه سيأخذ من هذا الضيف الفلسطينى الضعيف والآتى بطلب النجدة أكثر بكثير مما سيعطيه له.. مع الصورة التاريخية، التى لا تثمن ولا تغنى من جوع، وإن نفعت فى المباهاة بأنه لا يقل شأنا عن الملوك والرؤساء وأولياء العهود والأمراء العرب الذين زاروا الرئيس الأميركى فصافحهم وحادثهم والتقطت له معهم الصور التذكارية فى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض.

هل من المنطق أن يطالب الرئيس الأميركى، كائنا من كان، بأن يكون متعاطفا مع قضية الشعب الفلسطينى وحقوقه فى أرضه، ودولة له فيها، ولو على بعضها، أكثر من الملوك والرؤساء العرب الذين لم يجرأوا فى قمتهم الأخيرة على تبنى مقررات قممهم السابقة، بل أنهم تحايلوا على تعديلها وتخفيف نصوصها بحيث «لا تستفز» الإسرائيليين، واستطراد الرئيس الأميركى صاحب حق الإمرة على الدولة الإسرائيلية، حكومة وشعبا.

هذه زيارات الرؤساء والملوك والأمراء العرب الذين سبقوا إلى الحج إلى البيت الأبيض شاهدة ناطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمود عباس فى البيت الأبيض من دون فلسطين محمود عباس فى البيت الأبيض من دون فلسطين



GMT 09:30 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

كيف الخلاص من .. الشيكل ؟

GMT 03:30 2017 الإثنين ,10 تموز / يوليو

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

GMT 05:25 2017 الخميس ,08 حزيران / يونيو

هكذا ولدت

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca