عرسال: الضحية مرتين!

الدار البيضاء اليوم  -

عرسال الضحية مرتين

طلال سلمان


أبسط شروط إنقاذ عرسال هو الموقف الوطني الجامع والذي يتعامل مع هذه البلدة ذات التاريخ الوطني المميز على أنها الوطن مصغراً وقد وقع تحت احتلال عصابات إرهابية تكاد تكون أقوى من «جيش» بسبب من اتخاذها الأهل فيها كرهائن..
أما سحب الخلافات السياسية بين القوى والأطراف متباينة المواقف إلى حد الخصومة إلى عرسال واتخاذها منصة لتأجيج هذه الخلافات ودفعها إلى الأتون الطائفي والمذهبي فلن يكون إلا خدمة مجانية للإرهابيين الذين يحاصرون أهلنا في عرسال، ويحاولون ـ بدورهم ـ الاتكاء على المذهبية لتبرير إرهابهم الذي يؤكد «مذهبيته» بإعلان ولائهم لتنظيم «القاعدة» بقيادة الظواهري.
ويفترض أن تشكل المقابلة ـ الفضيحة التي نظمتها قناة «الجزيرة» لقائد «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني وثيقة دامغة ضد هذا التنظيم الإرهابي الذي يتخذ ـ بالشراكة مع تنظيم «داعش» ـ من عرسال رهينة لابتزاز لبنان بخطر الفتنة.
إن هذه المقابلة المرتبة بدقة فائقة، شملت إضافة إلى محاور «الحوار» الذي حاول القيمون على قناة «الجزيرة» تبريره بمقولة «الرأي والرأي الآخر»، تقديم قائد هذا التنظيم الإرهابي «كبطل وطني» في سوريا، وكداعية للتحرر والتحرير والديموقراطية في ظل «الإسلام الصحيح»... وهو «الإسلام» الذي شهدنا وسوف نشهد المزيد من «إنجازاته» في سوريا، سواء تحت راية «النصرة» أو تحت راية «الخلافة الإسلامية» التي يعمل لإرساء قواعدها «شقيقه» «داعش» في بلاد العراق والشام بالجثث والدماء والسبايا وتدمير معالم الحضارة وشطب الدور التاريخي لشعوب هذه الأرض في إنجاز ركائز التقدم الإنساني، فكراً وثقافة وفنوناً تشكيلية قبل ألفي عام أو يزيد متصدرين الريادة بالإبداع.
وحرام أن يزج بعرسال، بكل تاريخها الوطني ـ القومي ـ التقدمي، في بازار طائفي يسيء إلى كرامة أهلها المحاصرين، بقدر ما يسيء إلى كرامة أهلها في جوارها ومن حولها، والذين يعيشون آلام الحصار ومهانة العجز عن إنقاذها، والأخطر محاولة الإيقاع بينهم وبين أهلهم فيها، وكأن أهالي رأس بعلبك والفاكهة والقاع والهرمل واليمونة ويونين وبريتال والنبي شيت، قد تحولوا ـ فجأة ـ إلى أعداء يتحيّنون الفرصة للهجوم على عرسال وتدميرها.. حجراً حجراً، حتى لا ننسى الحجر العرسالي الذي غمرت شهرته الآفاق في القريب والبعيد عنها.
ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل فهم هذه المعادلة المقلوبة التي يُراد فرضها على اللبنانيين والتي تحاول تصوير مصادر الخطر على عرسال من أهلها في محيطها وليس من العصابات المسلحة التي تتخذها رهينة، وتنتشر في الجرود فوقها ومن حولها مهددة بذلك المحيط جميعاً بالخطر مضاعفاً (إذا ما تنبهنا إلى استخدام عصابات الإرهاب المسألة المذهبية كسلاح مسموم في حربها المفتوحة ضد أتباع المذاهب الإسلامية جميعاً وكذلك ضد المسيحيين بطوائفهم المختلفة).
الخطر على عرسال خطر على الوطن بشعبه ودولته جميعاً،
والوضع المأساوي الذي تعيشه عرسال ومحيطها أقسى وأمرّ من أن يعالج بالمزايدات وبإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وبمحاولة الإساءة لدور الجيش الذي ينفذ قرار الدولة ولا يتصرف بدوافع الانتقام.. (هل نسينا أن كثرة من أبناء عرسال قد أعطوا وما زالوا يعطون زهرة شبابهم لهذا الجيش وأن العديد منهم قد استشهد على أيدي عصابات الاتجار بالدين في مناطق شتى من هذا الوطن الصغير، أولاها مخيم نهر البارد وليس آخرها عصيان الأسير في صيدا وبينهما في الاشتباكات بين جبل محسن والتبانة وأحياء أخرى في طرابلس، فضلاً عن مطاردة الخارجين على القانون في بريتال ومحيطها والصدامات الدموية مع بعض عشائر بعلبك ـ الهرمل..).
أبسط شروط الانتصار على الإرهاب وحدة ضحاياه ووقوفهم صفاً واحداً إلى جانب دولتهم وجيشهم وهو يدفع عنهم هذا الخطر المصيري.. لا سيما أن مصدر هذا الإرهاب سرعان ما يجهّله ضحاياه المحتملون بلسان قياداتهم السياسية ذات الغرض، والتي كثيراً ما تبني زعاماتها بجراح «رعاياها» من المواطنين الذين يحبون الحياة ويحبون أرضهم وأهلها جميعاً.
إن تصوير عرسال كقضية طائفية أو مذهبية إساءة بالغة وإهانة جارحة لأهلها.. وليس بتجارة الفتنة تُبنى الزعامات السياسية في وطن الأرز!
وها إن عرسال ضحية مرتين، والمرة الثانية «لبنانية صرف»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عرسال الضحية مرتين عرسال الضحية مرتين



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca