قيادة إيران والتقارب مع الشيطان

الدار البيضاء اليوم  -

قيادة إيران والتقارب مع الشيطان

عبد الرحمن الراشد


مع اقتراب المفاوضات الأميركية الإيرانية لخط النهاية المعلن لم يعد السؤال عن السلاح النووي نفسه، الذي هو سبب الخلاف ودافع التفاوض، بل عن إيران النظام، هل سيكون معتدلا بعد أن يوقع الاتفاق؟ هل هي مجرد عقدة الشك بمجرد أن تحل باتفاقية ترفع العقوبات ستصبح إيران مثل مصر والمغرب والسعودية وباكستان، دولة صديقة للغرب ومنفتحة على العالم، أم أنها مجرد خطوة هدفها رفع العقوبات عن الأسد المتطرف المحبوس في قفصه؟
ليس سهلا قراءة عقل النظام الإيراني لأنه منغلق، ويشبه السياسيون الإيرانيون متطرفي العرب في الأعراض التشخيصية المتناقضة، في التوفيق بين الخطاب السياسي والممارسة الحقيقية، ومن بينها ممارسة العلاقات الخارجية المستترة، وتحديدا العلاقة مع الولايات المتحدة. وفي تصوري رغم كثرة الجزر الذي قدمه المفاوضون الأميركيون فإن هذه العلاقة لن تتطور كثيرا لاحقا، إلا بما يخدم الجزء العسكري الإيراني، فمعاداة واشنطن ركيزة رئيسية قامت عليها الثورة، وصبغت نشاطاتها الخارجية.
وتاريخ إيران المعاصر يشي بذلك من بني صدر إلى روحاني. منذ البداية جرت محاسبة كل من دعا للانفتاح، أولهم أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإيرانية، الذي أجبر بسبب آرائه الانفتاحية على ترك موقعه والهرب للعراق ثم اللجوء إلى فرنسا. وانفتحت مرة بسبب حاجتها إلى السلاح إبان حربها مع العراق، فقد جربت الحكومة الإيرانية فتح قناة سرّية، وإبرام صفقة سياسية وعسكرية مع إدارة الرئيس الأميركي حينها، رونالد ريغان، لولا أن السر فُضح في مجلة «الشراع» اللبنانية عام 1987. واضطر ريغان إلى الاعتذار عما عرف بفضيحة «إيران - كونترا». ثم مرت 10 سنوات باردة حتى انتخب محمد خاتمي رئيسا، بناء على برنامجه الانفتاحي، وقد جرب التقارب مع واشنطن، لكن لم يسمح له المتطرفون داخل النظام بإكمال برنامجه وصار بلا صلاحيات، وخرج من الرئاسة، بعد إذلاله على كل المستويات. تلاه الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي رغم لغته الصارمة المتوعدة للغرب كان يريد أن يفتح قنوات جانبية مع الأميركيين، وقد كلف قريبه ومساعده وكاتم أسراره رحيم مشائي بهذه المهمة لكنها فشلت بعد أن تلقى بسببها سيلا من الانتقادات، وحرم من فرصة الترشح للرئاسة. والآن نحن في حقبة الرئيس حسن روحاني، الذي اختير رئيسا بحجة رغبة طهران في الانتقال من التطرف إلى الوسط، لكن روحاني جعل جل وظيفته محصورا في إبرام صفقة سياسية نووية متكاملة مع الولايات المتحدة ولم ينفتح داخليا ولا خارجيا.
من قراءة مسار القيادة الإيرانية منذ إسقاطها نظام الشاه، المتهم بالغرب والتغريب، وإلى الآن، هل يمكننا القول إن إيران بعد الصفقة التاريخية الموعودة ستتجه إلى الانفتاح والاعتدال، وإنهاء حقبة «الحرب النفسية» مع الولايات المتحدة، أم لا؟
الأرجح أن النظام الإيراني يطمع في علاقة نفعية محدودة مع الغرب عموما لكنه لا يريد التغير، فهو يخشى من التحول السياسي. ولا يزال الفكر المتطرف مهيمنا على قياداته الدينية والأمنية، ويخاف من تأثير الانفتاح على قدراته. فالنظام، بخلاف لغته العصرية، ضاعف من سلطاته خلال السنوات القليلة، وفي حقبة روحاني لم يرخِ قبضته، بل زاد من تشددها، ولم يقدم تنازلات داخلية تذكر. وقد لاحظنا أنه، بعكس خطاب روحاني التصالحي، توسع في مغامراته الخارجية، وزاد من قلق جيرانه، مستغلا رغبة إدارة الرئيس باراك أوباما الجامحة في إبرام صفقة معه.
كل مظاهر الحكم ونشاطاته توحي بأن إيران لا تنوي أن تتغير كما فعل السوفيات في عهد غورباتشوف، ولا أن تتحول تدريجيا كما فعل الصينيون. نظام إيران حالة بين الصين وكوريا الشمالية، أي أقل انغلاقا لكنه بعيد جدا عن الانفتاح والاعتدال، وهنا تكمن خطورة منحه اتفاقا حيويا نوويا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قيادة إيران والتقارب مع الشيطان قيادة إيران والتقارب مع الشيطان



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 02:43 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

حسن الرداد في ضيافة "أبلة فاهيتا" في "الدوبلكس"

GMT 01:14 2014 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

أهمية الكمون واستخداماته وفوائده الصحية

GMT 06:10 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

"ذا فويس كيدز" يواصل مشوار النجاح واستقطاب أكبر نسبة مشاهدة

GMT 11:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المراهقة السياسية المتأخرة‎

GMT 11:43 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

2262 طن خضار وفواكة ترد للسوق المركزي في الأردن

GMT 08:55 2018 الخميس ,08 شباط / فبراير

قائمة بأفخم وأفضل الفنادق في الشرق الأوسط

GMT 04:12 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

سهام جلا تعود بقوة إلى الوسط الفني خلال مجموعة أعمال

GMT 10:25 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

أطعمة خالية من السعرات الحرارية وتساعد في حرق الدهون
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca