تخيلوا محاربة «القاعدة» بلا أميركا!

الدار البيضاء اليوم  -

تخيلوا محاربة «القاعدة» بلا أميركا

عبدالرحمن الراشد

برهن تنظيم القاعدة على خطورته بأنه لم يولد له مثيل في البأس والإرهاب في خمسين عاما، بقدرته على البقاء والتنقل والتجنيد والتدمير وتطوير ذاته ومنسوبيه. كل التنظيمات الإرهابية التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية لم تضارع قدرات «القاعدة» في الهوية العالمية. أهم أسلحتها تطويعها للفكر الديني المتطرف الذي منحها أكثر جنود العالم استعدادا لبذل أموالهم وأرواحهم وأبنائهم. بقي أعظم تنظيم إرهابي نشطا إلى اليوم رغم أنه عمليا جرى القضاء على كل مؤسسي وقادته الأوائل، باستثناء قلة مثل أيمن الظواهري، قتلوا أو قبض عليهم. وشرد من عقر داره الأول أفغانستان، وهزم في السعودية، الأرض الحلم بالنسبة له. ولم ينجح في اختراق الأراضي الأميركية منذ هجمات سبتمبر (أيلول) 2001. وهناك ما لا يقل عن ثلاثين دولة في العالم سخرت إمكانياتها لرصد وملاحقة «القاعدة»، في شبه إجماع دولي على مقاتلة التنظيم الأخطر في العالم. مع هذا «القاعدة» لا تزال حية تتنفس وتسعى. وبالقبض على أبو أنس الذي يبدو أنه خطف على غفلة، نتذكر أن الحرب مستمرة وسجال بين الجانبين. ولحسن حظنا جميعا، أن الأميركيين طرف في المعركة، لأن هذا الغول، المسمى «القاعدة»، أكبر قدرة من أن يحارب من قبل الدول فرادى. لا شك أن الأميركيين منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر اعتبروه الخطر الأول على أمنهم، وقرروا تسخير كل إمكانياتهم الهائلة. وتكاد تكون الحرب بين «القاعدة» وخصومها يومية من رصد ومطاردات في أنحاء العالم. والمثير أن الأميركيين، والغرب عموما، كان ينظر بتشكك في التسعينات إلى حقيقة وجود التنظيم بمعناه الآيديولوجي. معظم ما كتب حينها ركز في تفسير الظاهرة على أنها نتاج الفقر والبطالة ونقص الحريات السياسية. إنما في العقد التالي لهجمات سبتمبر أدرك كثيرون منهم، أن «القاعدة» حركة عقائدية متطرفة لا علاقة لها بالوظائف والحقوق والحريات والانتخابات. يمكن أقرب نموذج لها الحركة النازية التي كانت ترفض الغير إلى درجة الإيمان بالتخلص منهم، وتؤمن بسمو أفكارها على غيرها، باستثناء أن «القاعدة» أكثر خطورة لأنها تدعي وتستخدم الدين. ولحسن حظ الجميع أن «القاعدة» استهدفت عددا كبيرا من حكومات العالم التي تحولت لمحاربتها، وإلا لو بقيت كما بدأت تستهدف دولا محدودة مثل السعودية ومصر، ربما كان الوضع أكثر خطورة. حاليا، «القاعدة» لا تمثل أبدا تهديدا لنظام بعينه، لكنها قادرة على إلحاق الأذى في كل مكان. وثبت أنها قادرة على البقاء والاختباء وتجديد خلاياها مهما لوحقت، وقادرة على الإنجاب مهما أبيدت أو جرت تصفية قياداتها. وسبق أن ذكرت وثائق «القاعدة» أن جدلا دار بين قادتها حول تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأن بعضهم اعترض على فكرة استهداف الأميركيين في عقر دارهم، من قبيل تركهم إلى وقت لاحق، لكن بن لادن كان يعرف أن هجمات ضد أهداف ضخمة في نيويورك وواشنطن مثلا، كانت رسالة للعالم بقدراتهم وعزيمتهم ومشروعهم. أما الهجمات التي نفذوها ضد مصالح أميركية من قبل في السعودية واليمن، فقد كانت جزءا من معارك محصورة، لكن استهدافهم الولايات المتحدة من داخلها هو الذي غير اللعبة، وغير العالم. لم يكن للدول العربية قِبَلٌ على مواجهة هذا الخطر المرعب الذي لا يزال يشكل أكبر حرب تدور اليوم. أيضا، يجب القول إنه لم يكن بوسع الأميركيين الانتصار على التنظيم المتطرف لولا تعاون الدول الإسلامية التي هي أدرى بخصوصيات المحلي وفكره، وأقدر على مواجهته في نقطة قوته، أي الدينية. ويبقى للأميركيين القدرة الميدانية على الحرب نفسها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تخيلوا محاربة «القاعدة» بلا أميركا تخيلوا محاربة «القاعدة» بلا أميركا



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca