القنصل الذي صار زعيم مسلحين!

الدار البيضاء اليوم  -

القنصل الذي صار زعيم مسلحين

عبد الرحمن الراشد

ما إن سمعت الاسم، إياد غالي، مصحوبا بأحداث مالي، بدأت أتساءل إن كان هو نفس الاسم ونفس الرجل ونفس الدولة، كلها متطابقة؟ إياد غالي يقود العمليات العسكرية للجماعات المسلحة الإرهابية في شمال مالي، وكان هناك شخص بنفس الاسم يعمل قنصلا لبلاده في جدة، وهاتفت أحد الأصدقاء، الذي أكد أنه هو نفس الرجل الذي التقيناه في فندق الهيلتون بمدينة جدة قبل أقل من ثلاث سنوات! فإن كان ظنه في محله، فإننا أمام عالم غريب متشابك؛ من هم شرعيون اليوم، قد تجدهم ملاحقين في صباح الغد! والحقيقة ما كنت عرفت عنه حينها من الذين تعاملوا معه كزعيم قبلي للطوارق، وقنصل دبلوماسي، أنه خير صديق يعين الآخرين للتوسط وإطلاق سراح المخطوفين في فيافي أزواد وصحاريها. الآن يقال إنه من يقود القتال زعيما لـ«حركة أنصار الدين»، ويواجه المعارك ضد قوات مالي، والدولية من فرنسية وأفريقية! وعندما قرأت «بروفايل» عنه أمس في «الشرق الأوسط» زادني حيرة، حيث يذكر أنه كان مقربا لديكتاتور ليبيا الراحل معمر القذافي، وسبق أن أرسله للقتال مرة في لبنان، لكن لم يعرف عنه الفكر المتشدد إلا حديثا. وهذه الالتباسات والغموض أصبحت سمة ولم يعد هناك شيء غريب بدليل ظهور متشددين، مثل طارق الزمر ومحمد الظواهري، في العمل السياسي في مصر. وكيف تحول رجل مثل إياد غالي من مالكي سني معتدل إلى مقاتل متطرف، وهل يعقل أن التشدد طرأ على هذا الرجل الخمسيني فجأة؟! أمر يصعب عليّ تصديقه، فأنا أشم هنا رائحة المناورة السياسية، حيث يركب السياسيون مطية التطرف الديني لأنها تمولهم بجنود شباب صغار مجانين، يبذلون أرواحهم فداء لقضايا كاذبة، وتجد من يمولهم بالمال ضمن الواجب الديني، من صدقة وزكاة، وهم بدورهم «يهبون» المتطوعين والمتبرعين مكانا لهم في الجنة، في الحياة الأخرى! ولأنه لا توجد هناك شهية دولية للقتال في أي مكان بالعالم، فإن الفرنسيين سيقاتلون وحدهم مع بضع دول أفريقية مستأجرة، ثم ينسحب الجميع عندما يجدون أن حروب الصحراء لا تنتهي. والأكثر صعوبة أن القتال تحت الرايات الدينية، وصد التجمعات القبلية، لا يوجد فيهما مهزوم، بل مسألة قابلة للاستمرار لعقود طويلة. ومشكلتنا مع المتحمسين لقتال المتطرفين، مثل الفرنسيين اليوم والأميركيين أمس في أفغانستان وربما سوريا لاحقا، أنهم غير قادرين على إدراك طبيعة المشكلة؛ فالمتطرفون هم أهون أطراف المعادلة، لكن الأصعب، والأهم، هو محاربة الفكر المتطرف. ولو أن الغرب، والعرب المهتمين، وبقية القوى المعنية، استثمرت أموالها وجهودها في محاربة الفكر المتطرف لربما انتهت الأزمة. لكن، هم بذلوا مليارات الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين، والأسلحة المتطورة، وطائرات الدرون بلا طيار، ونجحوا في اقتناص الكثير من الرؤوس المتطرفة من «القاعدة»، لكن الفكر بقي مكانه، ينتشر مثل البكتيريا. وأكثرهم يركن للاستنتاجات السهلة، برمي اللوم على طائفة مثل الشيعة، أو السنة، أو فرع فيها، أو كبار رجال الدين، أو الدين نفسه، في حين أن هذه العوامل كلها كانت موجودة ولم تسبب أذى في الماضي. نحن نعيش في عالم مختلف، فيه قوى سياسية تقوم بغرس وتربية أفكار وأجيال متطرفة، لديها المشروع والتجربة والإرادة، وتكاد تكون في مأمن من العقوبة بسبب اتجاه الجميع لاستهداف الاتجاهات الأخرى الخاطئة. من كان يتصور أن مالي ستكون أرض معركة عالمية، بعد أفغانستان؟! نفس الخطأ يكرره الغرب في التعامل مع سوريا، يتركها ضحية للمتطرفين يستولون على مشاعر الناس بحجة أنهم النصير الوحيد لهم من بطش نظام الأسد، وهم بالفعل النصير النشط لأن البقية تركت الساحة لهم. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القنصل الذي صار زعيم مسلحين القنصل الذي صار زعيم مسلحين



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca