الانحياز في صراع القطبين

الدار البيضاء اليوم  -

الانحياز في صراع القطبين

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

الحرب في كل من سوريا وليبيا امتدت إلى نحو اثني عشر عاماً، ومع هذا ظلت محصورة داخل حدود البلدين، في حين أن حرب أوكرانيا وروسيا، التي يراها البعض بعيدتين، مسافة وتأثيراً، في الواقع، تؤثر علينا أكثر مما تفعله صراعات منطقتنا. أوكرانيا أزمة في بداياتها، وقد تمتد لسنوات وتتوسع جغرافياً، مع ازدياد تعقيدات الخلاف بين الدول الكبرى المتورطة فيها.
هذه الحرب دفعت أسعار برميل البترول من أربعين إلى فوق المائة دولار، وضاعفت فاتورة الغاز نحو ثلاث مرات، وتهدد بانقطاع الخبز عن نصف سكان العالم. سياسياً، الحرب أسهمت في إعادة الحسابات الدولية وتغييرها، في انقلاب الموقف الأميركي ضد إيران والتراجع عن الاتفاق النووي، وعودة واشنطن إلى المصدر النفطي الأكبر، السعودية.
بسبب أوكرانيا، تنسحب القوات الروسية من سوريا، التي قد تتحول بعدها إلى مزرعة إيرانية، وما قد يعنيه ذلك من سياسات إقليمية دفاعية جديدة عربية - إسرائيلية. أزمة أوكرانيا جددت دور الأسلحة الكيماوية والجرثومية، وفتحت النقاش حول حدود واستخدامات القنابل النووية.
هذه تداعيات حرب المحورين الغربي والروسي على الأرض الأوكرانية، والأزمة في تصاعد. رياح الحرب هبت على المنطقة رغم بُعد المسافة. رفعت أسعار البترول وزادت المداخيل القومية لبعض دول المنطقة، وضاعفت الديون على البعض الآخر.
ويبقى التأثير الأكبر على أوروبا، ساحة الحرب، فهي تمر بمرحلة غير مسبوقة اضطرتها إلى إعادة النظر في السياسات الدفاعية والعلاقات الاستراتيجية. المستشار الألماني، أولاف شولتس، يقول إن الاجتياح الروسي، جعل برلين تعيد التفكير في أمنها القومي، و«أن نمضي قدماً لنخرج من التبعية الروسية في مجال الطاقة»، وبلاده الآن تؤيد دخول دول البلطيق حلف الناتو. التبدل في موقف برلين لم يكن في الحسبان إلى فبراير (شباط) مطلع هذا العام، التي كانت ترى، منذ انهيار جدار برلين ونظام ألمانيا الشرقية الشيوعي، قبل ثلاثين عاماً، أنها نهاية الخوف من موسكو.
كان الألمان أكثر تمسكاً بفكرة التصالح مع روسيا، والمراهنة على العلاقات الاقتصادية، لضمان أمن أوروبا، بخلاف الولايات المتحدة التي تعتبر روسيا خطراً لم يتغير، رغم غروب شمس النظام الشيوعي وطموحاته التوسعية. وهناك صورة ناطقة للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، يحيط به القادة الأوروبيون، بينهم الزعيمة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، يلحون عليه خلال التشاور حول دور حلف الناتو. كان الأميركيون يحذرون ألمانيا، والاتحاد الأوروبي عموماً، من خط الغاز الثاني الروسي، وأن الاعتماد عليه سيعرضهم وأوروبا وحلف الناتو للخطر.
النبوءة الأميركية، تحققت على أرض الواقع، وأوقفت روسيا غازها قبل اجتياح أوكرانيا، وأصبحت صادرات الغاز الروسي ضمن أدوات الحرب الأساسية. فأوروبا مكرهة، تمول بشرائها الغاز عمليات الحرب الروسية في أوكرانيا.
علينا أن نضع في حسباننا طبيعة الأزمة، هذا صراع بين قطبين دوليين، وكل ما نراه يوحي بأنه سيطول وسيصبح أكثر عمقاً. الطرفان، الناتو والروس، كل منهما مصر على عدم التراجع، وموسكو زادت هذا الأسبوع من إصرارها معلنة أن الحرب ستستمر حتى تتحقق أهدافها التي تعدّها ضرورية لأمنها، الذي يعني أنها أزمة سنوات.
الجانبان يمارسان ضغوطاً هائلة على دول المنطقة لتبني مواقف واضحة في انحيازها، الأمر الذي ستكون له تكلفة سياسية واقتصادية وأمنية عالية، بغض النظر في أي جانب مالت إليه كل دولة. هذه الحال في مرحلة الحرب الباردة عندما كانت تُحتسب المواقف، وتُعاقب الدول على علاقاتها مع الطرف الآخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانحياز في صراع القطبين الانحياز في صراع القطبين



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca