من السبب في ضعف القضية؟

الدار البيضاء اليوم  -

من السبب في ضعف القضية

بقلم - عبد الرحمن الراشد

الغاضبون من تراجع الاهتمام والتفاعل مع قرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس عليهم أن يفهموا كيف ولماذا.
فالأحداث في منطقتنا تبدو كما لو أنها أسرع من قطار الرصاصة الياباني، 320 كيلومتراً في الساعة. فما إن أعلن الرئيس اليمني السابق انشقاقه عن حليفه الحوثي على التلفزيون اليمني، حتى خرج أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري الأسبق على قناة الجزيرة مقرراً عزمه على العودة إلى مصر وخوض الانتخابات. ثم يقتل المتمردون الحوثيون الرئيس اليمني صالح، ويرسل شفيق إلى مصر ليعلن تراجعه. يفاجئ الرئيس الأميركي العالم، ويعلن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ويوقع القرار في احتفالية تغضب ملايين العرب. تزامن كل ذلك مع قيام إسرائيل بقصف مراكز عسكرية إيرانية وسورية بالقرب من دمشق، والولايات المتحدة تهدد قاسم سليماني، القائد الإيراني في العراق، وفي الوقت نفسه تعلن روسيا ببرود شديد أنها انتصرت على تنظيم داعش في سوريا. كل هذا ومنطقة الخليج تعيش أخطر أزمة داخلية، حيث انعقدت قمة مجلس التعاون في الكويت بأقل مستوى في تاريخها.
السماء تمطر علينا هذا الكم الكبير من الأحداث، وصار ما كان يحتاج إلى شهر للتعامل معه واستيعابه يكاد لا يمضي عليه نهار واحد فقط حتى نستيقظ غداً على غيره. لهذا ليس غريباً أن معظمنا أصيب في قدرته على الاستيعاب والمعالجة، وصارت لنا ذاكرة قصيرة مثل ذاكرة السمكة.
لم يعد سهلاً على الكثيرين أن يميزوا بين الدعاية والحقيقة، وتضطر بعض الحكومات إلى تبني مواقف متناقضة تصيب الناس بالحيرة.
والمشكلة تتضاعف إذا عرفنا أن الفوضى تدب في العالم الافتراضي الذي هو صلة الناس المعلوماتية بما يحدث حولهم. فالساحة الإعلامية والدعائية تبدلت كثيراً نتيجة عاملين رئيسيين: تعدد منصات ووسائط الإعلام، وكذلك تشرذم المحاور السياسية التي أصبحت شديدة الانقسام.
في الماضي، كانت هناك قيادات أصواتها عالية في قضية فلسطين، مثل أبو نضال، وأبو العباس، وصدام، وحافظ الأسد. اليوم، هم حسن نصر الله في لبنان، وآية الله في طهران، وحمد في قطر، وقادة الإخوان المسلمين في الخارج.
السابقون واللاحقون يستخدمون فلسطين والقدس لقضاياهم، يساومون عليها. فالإيرانيون اخترعوا «حزب الله» للضغط على إسرائيل والغرب لتمكين وجودهم، وصدام سعى للمساومة على الكويت مقابلها وفشل، وأفرط الأسد في استخدام القضية عذراً للاستيلاء على لبنان. لكن لا توجد حالة واحدة تبرهن على أن أحداً من هؤلاء كان جاداً في مزاعمه.
في ظل كثافة الأحداث وتعدد المخاطر، ربما لا توجد دولة عربية واحدة لا تعيش هاجس الخطر على أمنها ووجودها، كيف للقضية الفلسطينية أن تحافظ على سلاحها القديم القائم على استراتيجية أنها قضية الجميع، مما يعطيها ثقلاً يوازن التهديدات الإسرائيلية. وإذا راجعنا أسباب ضرب هذه الاستراتيجية، نجد أن أكبر عدو للقضية الفلسطينية، بعد إسرائيل، هو إيران. ولا أقول هذا نتيجة نزاعنا مع نظام طهران، بل لأننا نرى كيف حولت المنطقة إلى دول إما تحت الهيمنة الإيرانية أو منشغلة بالدفاع عن نفسها من تهديدات طهران ووكلائها. وفي الوقت الذي تهيمن أيضاً تلجأ إلى سياسة التضليل، من خلال تبنيها موقفاً دعائياً عنيفاً ضد إسرائيل وأفعالها.
التطور الإيجابي الوحيد أن العرب المأخوذين بالدعاية الإيرانية صاروا اليوم أقلية، بعد أن كانوا أغلبية قبل حرب سوريا. وهي الآن تحاول ترميم صورتها معتمدة على وسائل الدعاية القطرية، وعلى جماعات دينية سنية حليفة مثل الإخوان المسلمين. والخاسر في هذه الصراعات المتعددة هم الفلسطينيون دون أن يكون لهم يد في ذلك، وهم الخاسرون من استمرار القوى المتطرفة، مثل إيران، في تقدم الصفوف دفاعاً عن قضيتهم، لأنهم في الحقيقة يتاجرون بها. كلما تفتح جبهة، يكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية، لأنه لا أحد يستطيع أن يكون قادراً على المشاركة حتى في ممارسة الضغوط السياسية دون أن يعرض وجوده للخطر في النزاع المرتبط به. ومشروع إيران كبير، أكبر من القدس وفلسطين؛ تريد اعتراف إسرائيل بحقها في التوسع والهيمنة، وهي مستعدة لعقد ما هو مطلوب منها غربياً وإسرائيلياً؛ هذا ما فعلته مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، عندما باعت مشروعها النووي مقابل إطلاق يديها في المنطقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من السبب في ضعف القضية من السبب في ضعف القضية



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca