رحيل العميد

الدار البيضاء اليوم  -

رحيل العميد

بقلم : عبد الرحمن الراشد

هناك حالات يكون فيها تاريخ الأفراد هو تاريخ الجماعة، والمرحلة، والمكان. وتاريخ شخصية إعلامية كبيرة، مثل تركي السديري، هو تاريخنا كصحافة وصحافيين، وتاريخ لحقبة طويلة من تلك المرحلة.

بوفاة تركي السديري نفتقد عميد الإعلاميين في السعودية الذي تبوأ هذه المكانة لنحو ثلاثة عقود، برغبة من الإعلاميين، حيث لم تكن حينها هناك جمعيات ولا رابطة تدافع عنهم. كان يقوم بهذا الدور بذاته، قبل أن يكلف به رسميا في وقت لاحق. وما كان له أن يرتضيه لولا ثقة الجميع به. كان تركي هو النقيب والنقابة.

وبخلاف الانطباعات السائدة، فالراحل الكبير لم يهبط على المهنة بمظلة من السماء، بل أخذ مكانته مثل معظم أهل المهنة من المحترفين، بدأ العمل فيها من أول عتبة في السلم، من محرر صغير ووصل أعلاه بجهده ومهنيته.

بسبب محبتنا له كزميل وأخ عزيز، طبيعي أن رأينا فيه غير محايد، لكن الذي بناه تركي السديري كبير جداً، كان شخصية مؤثرة. على مدى حقبة طويلة تسيد المشهد، وترك بصماته عليه. حرصه على تقاليد المهنة جعلها ثابتة، كما غرس أصولاً في المجتمع الإعلامي، في علاقات الحكومة بدور النشر الإعلامية، وعلاقات الإعلام ببعضه، وتطوع مراراً لحل مشاكل المؤسسات والوسائل الإعلامية والصحافيين والدفاع عنهم. ومعظمها بقيت طَي الكتمان ولاحقا طَي النسيان.

وفي الفترات المبكرة، عندما كان الإعلام المكتوب هو المهيمن، عشنا تجاذبات مستمرة بين الجهات المسؤولة مثل وزارة الإعلام والصحافيين، وكان معظمها نزاعات على المساحات، والحريات، والتوقعات غير المعقولة، وأحيانا شخصنة سلبية. وقام تركي بدور المحامي، في مجادلة الوزراء، والمسؤولين، والمحتسبين. 

لم يكن شرساً ولا مهادناً أيضا، بل كان صاحب عزم يدافع عن كل حالة، ويضع ثقله لحسم الموضوعات وإنهاء الاشتباكات المتكررة. صار نموذجاً لنا جميعاً، الرجل الدمث المقنع الحريص على أهل المهنة، زملائه، بغض النظر في أي مؤسسة يعملون، وإن كانوا منافسين له، أو على خصومة في الرأي والموقف.

ولم يكن غريبا أننا نحب المعلم تركي السديري لأننا من نفس المدرسة ونحمل بسعادة نفس القناعات والمبادئ الإنسانية.

كان له رأي يجاهر به، مثلاً بأهمية دور المرأة في مجتمع سعودي محافظ جداً، وكان يمارس ما يعظ به الآخرين. تحدى السائد وفرض أقلاماً نسائية، ومكّن صحافيات من العمل. لهذا كانت جريدة «الرياض» هي تركي السديري بفكره التحديثي، رجل مواقف لم يعبأ بالهجوم والنقد عليه من اليمين واليسار.

برحيله فقدنا رجلاً نبيلاً وأستاذا كبيراً وأخاً عزيزاً، تغمده الله برحمته وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل العميد رحيل العميد



GMT 18:24 2022 الأحد ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إرضاء واشنطن مهمة صعبة

GMT 18:26 2022 الإثنين ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بعد غياب الـ«بي بي سي»

GMT 12:17 2022 الجمعة ,30 أيلول / سبتمبر

هل هي نهاية «الإخوان»؟

GMT 23:04 2022 الأربعاء ,14 أيلول / سبتمبر

هل يحافظ تشارلز على العرش؟

GMT 16:01 2022 الأربعاء ,07 أيلول / سبتمبر

كوشنر وترمب والمنطقة

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 12:24 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

عودة الإلترات

GMT 07:22 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

زوري أيسلندا للتمتع بمغامرة فريدة من نوعها

GMT 01:38 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

ميغان ماركل تنوي شكر صديقاتها في حفلة زفافها الثانية

GMT 06:54 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يوضّح كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 05:59 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

5 حيل ذكية لتهدئة بكاء الطفل سريعًا

GMT 12:20 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

حسين فهمي وشيري عادل يفضلان الرسم ومحمد رمضان يعشق الرياضة

GMT 00:17 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بريطانية تتيح درجة البكالوريوس في "البلايستيشن"

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 12:35 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

توقيف محامي في تطوان مُتهم بتزوير أختام الدولة

GMT 04:53 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

طرق ترطيب الشعر الجاف في فصل الصيف

GMT 07:22 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

"لاند روڤر" تُطلق أوّل سيارة كوبيه فاخرة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca