الرابح والخاسر في أزمة قطر

الدار البيضاء اليوم  -

الرابح والخاسر في أزمة قطر

بقلم - عبد الرحمن الراشد

تقدير الوضع في مواجهة الحكومات الأربع: السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين، ضد قطر، لا يحتاج إلى الاستعانة بخبراء السياسة والإعلام لمعرفة النتائج؛ لأنها ليست معركة عسكرية ولا سياسية معقدة. وأول الاستنتاجات أن الأزمة قد تطول، نحن في الشهر الثالث منذ إعلان الدول الأربع أنها لم تعد تحتمل سياسة قطر العدائية ضدها، وأنها جادة في الاستمرار في خيار القطيعة على العلاقة.
وبعد نحو تسعة أسابيع، هل تراجعت الرباعية عن قراراتها؟
لا، ولا قطر تراجعت. فالعلاقات الدبلوماسية لا تزال مقطوعة، والسفارات خالية. الحدود البرية مع السعودية مغلقة، والأجواء أيضاً محظورة، وكذلك المياه الإقليمية للإمارات والسعودية والبحرين. ومثلها حركة المواطنين متوقفة.
معظم الضغط يقع على كاهل الحكومة القطرية، وهي المتضرر من القرارات، وفي المقابل لا تملك وسائل تعاقب بها أياً من الدول الأربع. وتكلفة العقوبات عالية على الدوحة، ونراها تركض في كل اتجاه تحاول تعويض غياب علاقة الدول الأربع، في حياتها الاقتصادية والخدمية والاجتماعية وغيرها. تبدو كأنها فوجئت بالتحرك ضدها، مع هذا يبقى حجم اقتصاد قطر من الصغر بما يمكّن الحكومة من تدارك النقص وتعويضه، وتحاول تأسيس بدائل محلية وخارجية، بتكلفة عالية عليها.
قطر قادرة على الاستمرار في تمويل موقفها؛ لكن بثمن باهظ، طالما أنها تملك من فائض المال، معتمدة على مداخيل الغاز والبترول بالمعدلات الحالية، إنما يبقى وضعها غير عادي، وثمنه سيأكل كثيراً من مدخراتها، وعلى حساب تمويلها نشاطاتها السياسية والعسكرية الأخرى في المنطقة، وللعلم فإن فاتورتها ضخمة. وهناك خسائر غير منظورة بعد، نتيجة تخفيض تصنيفها الائتماني في القطاع المصرفي، وانعكاسات الأزمة على تكاليف إنشاءات مشروعها العملاق، كأس العالم في 2022. ونقص في العمالة الأجنبية للحرف المتقدمة نتيجة المخاوف التي تردد صداها في العالم، فقطر، ولأول مرة، صارت تصنف من ضمن الدول المأزومة في المنطقة.
والذي يجعل إدارة الأزمة مكلفة وفاشلة، أن حكومة قطر، بسبب أسلوب تعاطيها معها، تتعامل بتحدٍ وبفوقية، كأنها الدولة الأقوى والأكبر. فقد أشغلت المنظمة الدولية للطيران المدني «إيكاو»، مصرة على أن تجبر الدول المقاطعة على فتح أجوائها، وقد كررت المنظمة في اجتماعاتها تذكير قطر بأنها ليست مسؤولة عن الخلافات السياسية، ولا تستطيع أن تجبر أحداً على أن يفتح سماءه؛ إلا في حالات الطوارئ فقط. وكذلك أبلغتها بقية المنظمات الدولية. لهذا قطر، من قبيل المكابرة، تنقل ركاب طيرانها «القطرية» بخسارة وبتكاليف أعلى من السابق، فقط لإثبات أنها قادرة على الصمود.
أيضاً، قطر بذلت كثيراً، بما في ذلك إبرام صفقات ضخمة، لاستمالة الحكومات الدولية حتى تضغط على الدول الأربع لإعادة العلاقات معها. وبالفعل جربت الدول الكبرى: أميركا، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، التوسط لدى الرياض، وأبوظبي، والقاهرة، والمنامة، تريد رفع العقوبات عن قطر، وفشلت.
من هذا الموقع المرتاح، تتفرج الدول الأربع على الحكومة القطرية في حالة انشغال واضطراب، تستخدم كل أسلحتها السياسية، والإعلامية، والمالية، ومع هذا لم تفلح في زحزحة الدول الأربع متراً واحداً إلى الوراء.
المقاطعة حاصرت وأنهكت قطر في غيرها من القضايا، صارت ضعيفة في سوريا وليبيا والعراق، الساحات التي كانت تعتبرها جزءاً من نشاطها الرئيسي. وفِي تعاملاتها مع الدول الأخرى، أيضاً أصبحت أضعف من ذي قبل، تحرص على كسب تأييد دول العالم أو تحييدها، بما يأتي معه من تكاليف ومخاطر، كما نراها تسرع من وتيرة التصالح مع إيران.
استراتيجية قطر في المعركة هي إكراه الدول الأربع على التراجع بدلاً من الاستجابة، وفي النهاية سترضخ لمعظم المطالب بغض النظر عما تقوله وتحاول فعله. ترفض التفاوض تحت المطالب والمبادئ المعلنة، وتريدها مفاوضات حرة. الدول الأربع ليست مضطرة للتفاوض، فالوضع الحالي مريح لها تماماً؛ خاصة أنه عكس اللعبة ضد قطر. فقد كانت الدولة مصدرة المشكلات والأزمات لمصر والسعودية والبحرين والإمارات. الآن هي التي تعيش جملة أزمات بسبب هذه الدول. لهذا، وبعد أن دفعت الغالي والنفيس لإقناع كل القوى، واستنفدت ذخيرتها الإعلامية وتحريضها، ولم يخرج أحد في صفها ضد حكومته، في الأخير ستفاوض قطر في إطار المبادئ الستة، وقد تتراجع عن بقية توقعاتها الشكلية، مثل عقد المفاوضات على أرض محايدة. كل هذا كان بوسعها أن تفعله في الأسبوع الأول من الأزمة، وتوفر على نفسها كثيراً من المتاعب والإحراج.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرابح والخاسر في أزمة قطر الرابح والخاسر في أزمة قطر



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 12:24 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

عودة الإلترات

GMT 07:22 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

زوري أيسلندا للتمتع بمغامرة فريدة من نوعها

GMT 01:38 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

ميغان ماركل تنوي شكر صديقاتها في حفلة زفافها الثانية

GMT 06:54 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يوضّح كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 05:59 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

5 حيل ذكية لتهدئة بكاء الطفل سريعًا

GMT 12:20 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

حسين فهمي وشيري عادل يفضلان الرسم ومحمد رمضان يعشق الرياضة

GMT 00:17 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بريطانية تتيح درجة البكالوريوس في "البلايستيشن"

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 12:35 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

توقيف محامي في تطوان مُتهم بتزوير أختام الدولة

GMT 04:53 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

طرق ترطيب الشعر الجاف في فصل الصيف

GMT 07:22 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

"لاند روڤر" تُطلق أوّل سيارة كوبيه فاخرة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca