حرية التعبير عن الكراهية

الدار البيضاء اليوم  -

حرية التعبير عن الكراهية

بقلم - عبد الرحمن الراشد

كان المرحوم الأديب غازي القصيبي أبرز من تصدى لتيار الكراهية في مطلع التسعينات، وكتابه «حتى لا تكون فتنة» مرجع تاريخي وفكري مهم في تلك الحقبة السعودية التي ابتليت بتيار «الصحوة» المتطرف.
ولا يزال التعبير علانية عن البغض والكراهية والتحريض المجتمعي من على المنابر وفي الإعلام المفتوح ثقافته متداولة، إنما تحت ذريعة مختلفة. ففي السابق، كان خطاب الكراهية والاستعداء ضد الآخر يقال عن مبادئ دينية تم اختزالها، كعادة الحركيين، ضد خصومهم. أما اليوم، فالبعض يبررها باسم حرية التعبير، لكن حرية التعبير مقيدة بالمكان والزمان، وضد التحريض الجمعي الذي يصبح جريمة، ويختلف التعبير بالتصريح والتحريض عن حرية النقاش الذي يمكن التسامح معه، حتى وإن تضمن طروحات عنصرية.
ظهر خطاب الكراهية في المملكة والخليج في التسعينات، مترافقاً مع الاضطراب السياسي الإقليمي، وتطور التقنية، واستيراد أفكار الصحوة، وتزامن مع الحراك الذي استخدم الدين، وسُمي بـ«الصحوة» في السعودية، منقولاً عن ثقافة جماعة الإخوان المسلمين التي جلبت معها من خارج الحدود أجندات سياسية.
للحرية مقاييس تختلف بحسب كل بلد؛ ثقافته وتجربته الحضارية. ومفهوم الدولة العربية الوطنية نفسه حديث الولادة، ويتطلب وقتاً حتى تظهر عليه علامات النضج، من خلال انصهار المجتمع في منظومة مدنية تنسجم مع بعضها؛ مهمة ليست بالسهلة. والمفارقة أن الحروب في دول العالم الثالث عندما تنشب باسم «الوطنية» و«الإصلاح»، غالباً تنتهي إلى الاحتراب على قيم مناقضة؛ تلجأ للدفاع عن الطائفية والقبلية والمناطقية، وغيرها من الانتماءات اللاوطنية. هذا ما يحدث اليوم في سوريا وليبيا واليمن؛ كلها حروب قامت على الدعوة إلى إعلاء المفاهيم الوطنية، من رفض الديكتاتورية، الأسد والقذافي وصالح، طلباً للعدالة في الحقوق، ثم تحولت إلى مشاريع تحزبية ضيقة جداً.
وخطاب الكراهية يبدو للبعض تعبيراً بسيطاً وتلقائياً، ويتناغم مع الشائع في المجتمع من عنصرية موروثة، لكنه في الحقيقة هو أخطر ما يهدد كيان الدول. فالسماح بالتعبير والدعوة إلى معاداة جماعات داخل المجتمع الواحد يهدد بتقويض الدولة، والسماح للطائفي يعني السماح للتمييز القبلي والمناطقي وغيره.
وقد تصادفت مناسبة الكراهية في مكانين بعيدين في وقت واحد؛ تدلل على أن المرض موجود رغماً عن التحضر: عنصريون طائفيون يستفزّون ويستعدون المجتمع ضد المعزين في وفاة الفنان الكويتي الكبير عبد الحسين عبد الرضا في منطقتنا، ومناسبة مظاهرة عنصريين بيض في جامعة فيرجينيا في شارلوتسفيل ضد الأعراق الأخرى. ولمن يحتج باسم حرية التعبير، يمكنهم أن يلحظوا أن شاشات التلفزيون الأميركية، تقريباً كلها، لا يظهر عليها أحد يمثل أو يدافع عن المتظاهرين العنصريين. السبب أن خطاب الكراهية مرفوض، رغم أن حرية التعبير للجميع يكفلها الدستور. وفي الولايات المتحدة، كما هو عندنا، إعلام التواصل الاجتماعي، أيضاً، يمثل تحديات للدولة، لأنه خارج السيطرة، ويستخدمه العنصريون لتسويق أفكارهم، وحشد الرأي العام لصالحهم. ومن المؤكد لو أن الخطاب العنصري تفشى، وصار ظاهرة خطرة على استقرار المجتمع، فإن المشرعين الأميركيين غالباً سيتدخلون لوضع ضوابط وعقوبات على استخدام وسائل مثل «تويتر» و«فيسبوك»، لكنها لم تصل بعد إلى هذه المرحلة. وقد تبدو العنصرية في الولايات المتحدة سائبة، بالفعل مسموح التعبير عنها، لكن في الحقيقة محرمة ممارستها، ويجرّم القانون من يمنع التوظيف لسبب عنصري، أو التدريس، أو التمييز في تقديم أي خدمات.
نحن نعرف أن الأصوات الطائفية التي ارتفعت في وقت وداع عبد الحسين عبد الرضا، في الحقيقة، لم تكن تستهدفه شخصياً، سواء بالرفض أو الإساءة، بل كانت تستغل المناسبة لفرض رأيها، بهدف تنشيط الصدام.
العنصرية مرض موجود في كل مجتمعات العالم، ومثل الحروب لن تموت. دول العالم المتحضر تسعى لمحاربتها بالقوانين والهراوات، وكذلك بالتثقيف.
فالتعبير عن البغض من المواطن الآخر قادر على تقويض كيان أي بلد. ولهذا عندما نرفض ونواجه دعاة الكراهية، ليس فقط احتراماً لشخص الراحل عبد الحسين، ودفاعاً عنه، بل أيضاً حماية لكيان أمة. فالعنصرية سلسلة ممارسات لا تنتهي، ضد من ليس من منطقته، أو بلدته، أو طائفته، أو دينه، أو عرقه، أو لونه، أو من لا يتفق معه، هكذا يتشرذم المجتمع ويتصادم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرية التعبير عن الكراهية حرية التعبير عن الكراهية



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca