جهاد أم نكاح البنات؟!

الدار البيضاء اليوم  -

جهاد أم نكاح البنات

عبد الرحمن الراشد


في رأي أحد الكتاب العرب أن خديجة وشميمة وأميرة، الفتيات البريطانيات من أصول آسيوية اللاتي هربن خلسة من بيوتهن إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، هن ضحية الدعاية السلبية، وأن الصحافة الصفراء من قبيل الافتراء هي التي وصفت هروبهن بأنه «جهاد النكاح» لتشويه سمعة الجهاد! ثم ينقل عن التنظيم المتطرف بأن الفتاة تستطيع أن تؤسس حياة و«أسرة مثالية»، وسيمنحهن «داعش» منزلا مجانيا، ولهذا السبب تغادر بنت عمرها 15 عاما بيتها في مانشستر البريطانية إلى الرقة في سوريا!
طبعا، من السذاجة أن نصدق حكاية الأسرة المثالية في خرائب سوريا، أو أخلاقيات وحوش «داعش». وعليه، لا أدري إذا كان الأهم لنا اليوم هو تنظيف المصطلحات المعيبة والمحرجة مثل «جهاد النكاح» من لغة الأخبار، أم علينا أن نتعامل مع الواقع حيث تتسلل عشرات الفتيات المراهقات من بيوت أهاليهن للالتحاق بأرض المعارك، في ظاهرة لا مثيل لها في سياق حروبنا.
ولو أننا تعاملنا مع الحدث، ووصفناه كما هو، فإننا نرى فتيات صغيرات مع شباب يحملون السلاح ويفاخرون بعلاقاتهم مع البنات، بعضهن تم اغتصابهن، بحجة أنهن كافرات أو سبايا. ولدينا كمّ كبير من الفيديوهات التي تشهد على هذه الوقائع والجرائم المعيبة. ونعرف عن العشرات، وهناك من يقول الآلاف، من النساء اللاتي التحقن بتنظيم داعش في سوريا، وقبلها بتنظيم القاعدة في العراق، أنهن جئن من الخليج والمغرب وتونس وأوروبا والولايات المتحدة.
وليس لأي متابع أو مطلع، سوى أن يتخيل أن هدف هؤلاء المقاتلين ما هو إلا السيطرة على النساء، واستخدامهن ضمن متاع الحرب ومتعتها. وقد تم توثيق حالات غريبة، بينها امرأة سعودية قامت بتطليق زوجها، أي خلعه شرعا، عبر المحكمة، واتفقت مع أحد منتسبي «القاعدة» على تهريبها مع طفليها إلى سوريا ثم العراق، إبان الاحتلال الأميركي، وهدفها، كما عبرت عنه من خلال غرف الدردشة على الإنترنت، هو ملاقاة مثلها الأعلى أبو مصعب الزرقاوي، الذي قاد تنظيم القاعدة في العراق في العقد الماضي، وبعد مقتله صارت تعاليمه ملهمة لتنظيم «داعش». ومع أن الأمن أمسك بها في أول محاولة، إلا أنها تمكنت من الهروب ثانية عبر اليمن، ثم طارت إلى سوريا، فالعراق، والتقت بالزرقاوي وتزوجته لبضعة أيام، حيث طلقها، وتزوجها مجاهد ثان، ثم ثالث، وقتلت لاحقا في واحدة من المداهمات العسكرية في بغداد. وبسبب الشك في طفلين مع أحد الإرهابيين الذين تم القبض عليهم في أفغانستان، اكتشف من خلال فحص الحمض النووي أن الولد هو ابن زعيم القاعدة في العراق القتيل الزرقاوي، وليس ابن الرجل المزعوم من المرأة السعودية التي كان معظم نشاطها في الجهاد هو الزواج من «المجاهدين».
الحالات كثيرة من هذه النساء التائهات، اللاتي أغرتهن الداعيات، أو تم تجنيدهن عبر الإنترنت، ورحلن إلى حيث توجد التنظيمات المقاتلة في سوريا. لقد كذب الكثير من المعلقين هذه الروايات في البداية، بحجة أنها غير معقولة، أو أنها حرب دعائية لتشويه سمعة الجماعات المقاتلة هناك، لكننا الآن تجاوزنا مرحلة التشكيك بوجود وثائق من فيديوهات، ومعلومات، وأهالي يبلغون عن فقدان بناتهم، وبالتالي صار يتوجب علينا أن نتعامل مع الحقائق الجديدة.
وثانيا، هذه التجمعات من الشباب المقاتل يعتبرون أن الحصول على النساء، سواء من المناطق التي يحتلونها أو اللاتي التحقن بهم، هو لأغراض الزواج فقط. وهو في الحقيقة ليس زواجا بمعناه التقليدي، بل استغلال للفتيات الصغيرات، وهم من وصفوه بـ«جهاد النكاح». وبعد أن انتشرت فضائح مقاتلي «داعش»، بهوسهم بالنساء، سواء بسبيهن، أو الزواج منهن، يحاول البعض تنظيف سمعة ما يوصف بـ«الجهاد المعاصر»، بتكذيب ما يروى عن فظائعه بادعاء أن عمليات القتل والحرق فيديوهات مزورة، وأن «نكاح الجهاد» أكاذيب، والهدف تجميل جرائمه. وإلا كيف يمكن تكوين «أسرة مثالية» في حلب أو الرقة أو غيرها من مناطق القتال؟ وكيف يمكن لـ«داعش» منح المرأة بيتا في بلد أصبح معظم بيوته مهدما؟ كلام لا يتسق مع المنطق، ولا يقبله عاقل. نرى صور وحوش يقومون بجر النساء مثل الغنم، ونرى فيديوهات يحرق فيها بشر ضمن متعة القتل الذي يتم تصويره، وذبح أطفال ونساء في العراق، والقرويين المصريين الأقباط في ليبيا.
كيف نصدق أن هؤلاء المجرمين سيؤسسون أسرة مثالية من مراهقات تم التغرير بهن للالتحاق بهم في مناطق القتال؟ الحقيقة واضحة؛ لقد جيء بهن جزءا من المتعة للمقاتلين، وليس للقتال ولا لبناء أسر مثالية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جهاد أم نكاح البنات جهاد أم نكاح البنات



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca