تونس انتصرت..

الدار البيضاء اليوم  -

تونس انتصرت

عبد العالي حامي الدين

بغض النظر عن الدلالات الرمزية لفوز السياسي العجوز الباجي قايد السبسي بنتائج الانتخابات الرئاسية في تونس، فإن يوم الأحد المنصرم سيظل منقوشا في ذاكرة التونسيين، بعدما سلم الرئيس السابق منصف المرزوقي بهزيمته، ودعا التونسيين إلى التزام الهدوء والاستقرار..

إنها لحظة تؤرخ لولوج «التوانسة» إلى نادي الدول الديمقراطية، بعدما طووا صفحة المرحلة الانتقالية لدخول مرحلة تثبيت دعائم الخيار الديمقراطي، الذي انطلق مع شرارة الثورة البوعزيزية في دجنبر 2010..

أختلف مع التحليلات التي ترى في انتخاب الباجي السبسي عودة للبورقيبية، وأُرجح أن السلوك الانتخابي للمواطن التونسي تحكمت فيه اعتبارات سياسية مرتبطة بالتصويت العقابي لأداء أحزاب الترويكا، بالنظر إلى حجم الانتظارات الشعبية التي ارتفعت مع مناخ الثورة، والمزاج الشعبي العام المتطلع إلى نتائج اقتصادية واجتماعية سريعة لم تسمح بها ظروف المرحلة الانتقالية..

الشعب التونسي أظهر للعالم بأنه مؤهل لقيادة أول تجربة للانتقال الديمقراطي ناجحة في العالم العربي بعد ثورة شعبية أطاحت بأحد رموز الدكتاتورية في العالم، كما أظهر ذكاء ملفتا حينما أعطى صوته للباجي قايد السبسي بنسبة 55 % بفارق بسيط عن المنصف المرزوقي الذي حصل على نسبة 46 %، وهي نسبة لها دلالاتها السياسية التي لا تخفى على شيخ مجرب مثل زعيم «نداء تونس»..

حزب «النهضة» بدوره لم يخرج من الساحة السياسية، فقد بوأه الناخب التونسي الرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية غير بعيد عن حزب «نداء تونس»، الذي سيتحمل مسؤولية استكمال مرحلة الانتقال الديمقراطي، وبناء المؤسسات الجديدة لتونس، والتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، لكنه قبل ذلك، فهو مستأمن على رصيد الحرية والديمقراطية الذي انتزعه الشعب التونسي وقدم بصدده التضحيات، ومطالبٌ، أيضا، بأن يستثمر في التراكم الإيجابي الذي خلفته تجربة الترويكا خلال 3 سنوات في كيفية إدارة الاختلاف مع المعارضين.

أتصور أن ذكاء الناخب التونسي يستحضر المعطيات الإقليمية والظروف الدولية أثناء عملية التصويت، ولذلك منح لحركة النهضة موقعا مريحا في المعارضة لإعادة بناء الذات الحزبية التي أُنهِكت خلال هذه المرحلة، وبناء نموذج جديد من المعارضة البناءة والناصحة لم ينجح خصومهم في السابق في بلورتها.

على حركة النهضة، كما نجحت في مرحلة الحكومة في تغليب المصلحة العليا للوطن، أن تستمر في المنهج نفسه، ولو من موقع المعارضة، وأن تستثمر في المستقبل السياسي لتونس / الديمقراطية والتنمية بعدما نجحت في نضالها خلال مرحلة تونس/ الثورة.

مدة ثلاث سنوات الماضية كانت حبلى بالإنجازات المؤسساتية الكبرى، فقد نجحت تونس في التوافق على أفضل دستور في العالم العربي وأكثره انفتاحا وديمقراطية وضعه مجلس تأسيسي منتخب لم يطعن في نزاهته أحد، كما انخرطت الطبقة السياسية والحقوقية في مشروع العدالة الانتقالية لقراءة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ووضع الآليات المؤسساتية والقانونية لضمان عدم تكرار ما حصل في الماضي وهي «هيئة الحقيقة والكرامة»، التي ستتولى قراءة ماضي الانتهاكات من اليوم الأول لاستقلال تونس إلى يوم خروج هذه الهيئة إلى الوجود، بما في ذلك إمكانية المساءلة القضائية للذين ثبت تورطهم في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى النظر في الفساد والجرائم الاقتصادية التي وقعت في عهد بورقيبة وبنعلي..

وهو عمل كبير يستبطن في منهجيته إعادة كتابة التاريخ السياسي التونسي، والوقوف عند محطات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وفهم أبعادها وخلفياتها السياسية، وجبر ضرر الضحايا ووضع آليات عدم الإفلات من العقاب وضمانات عدم التكرار.

كل هذه الإنجازات علينا أن نضعها في سياقها الجيوستراتيجي التراجعي، وفي ظل بيئة إقليمية محيطة تجر إلى الأسفل، وفي ظل جوار ليبي غير مستقر، وجوار جزائري رافض لكل تحول ديمقراطي تعيشه دول المنطقة، وفي ظل أجندة سياسية واضحة لبعض القوى الإقليمية الرافضة للديمقراطية في البيئة العربية والإسلامية..

نجاح تجربة التحول الديمقراطي في تونس، سيساهم في تأهيل نخب سياسية أخرى في العالم العربي، ويفتح أعينهم على تجربة جديرة بالدراسة والتحليل والاقتداء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس انتصرت تونس انتصرت



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca