بين الأخلاق والقانون..

الدار البيضاء اليوم  -

بين الأخلاق والقانون

عبد العالي حامي الدين

ليست هذه هي المرة الأولى التي يراد فيها جر الأطراف السياسية ومؤسسات الدولة إلى نقاش ذي طبيعة أخلاقية بطريقة صدامية انطلاقا من أدوات استفزازية مكشوفة.

أتذكر في هذا الإطار قبيل الانتخابات الجماعية لسنة 2009 كيف أقدمت يومية مشهورة على إجراء استجواب صحافي في حلقتين مع أحد الأشخاص الذي يجاهر بشذوذه الجنسي، قدمته الجريدة باعتباره رئيسا لإحدى المجموعات المثلية التي تجاهر بشذوذها الجنسي.

تساءل العديدون عن خلفية هذا الاستفزاز في ذلك التوقيت بالضبط.. لكن القوى السياسية تعاملت بذكاء وتجاهلت الموضوع.

اليوم، وقبل الانتخابات الجماعية المقررة في شتنبر 2015، أخذت حملات الاستفزاز أبعاداً فاقت التوقع، فلم تهدأ فضيحة الفيلم الممنوع الذي أساء إلى المغاربة كثيرا، وأساء بصفة خاصة إلى المرأة المغربية، حتى اندلعت فضيحة أخرى بسبب بعض فقرات مهرجان موازين.

المهرجان في دورته الرابعة عشرة بمدينة الرباط أثار هذه السنة الكثير من النقاش، فلم تعد منصات المهرجان مسرحا للعروض الفنية والموسيقية فقط، وإنما أصبحت فرصة لتمرير رسائل سياسية والتدخل في السيادة القانونية والقضائية للبلاد.

أحد الموسيقيين من فرقة «بلاسيبو» البريطانية اغتنم فرصة وجوده فوق إحدى المنصات، وأمام آلاف الحاضرين قام بتعرية جسمه ليكشف عن عبارة مكتوبة فوق صدره: «لا للفصل 489»، مطالبا بإلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي الذي يجرم العلاقات الجنسية المثلية! وقد قامت «قناة ميدي1 تي في» بإعادة بث حفل هذه المجموعة الغنائية بما فيها لقطة الدفاع عن المثليين!

السؤال الذي يطرح على منظمي هذا المهرجان: هل أهداف المهرجان منحصرة في الفن والموسيقى أم أصبحت للمهرجان أغراض سياسية وأبعاد إيديولوجية؟

الحكومة تعاملت بذكاء، ولم تنزلق إلى نقاش هذه المخالفات انطلاقا من مقاربة أخلاقية ضيقة، وإنما أقدمت على مراسلة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري انطلاقا من مرجعية الدستور والقانون المنظم للاتصال السمعي البصري ودفاتر تحملات القناة.

وفي السياق نفسه، نقلت القناة الأولى بلاغا لوزارة الداخلية أعلنت فيه أنها قامت بتوقيف شابين قاما بتقبيل بعضهما البعض في باحة مسجد حسان التاريخي، وأضافت نشرة القناة أن الأمر يتعلق بشابين وهما من أحياء الرباط مع ذكر اسميهما الكاملين وصورهما الحقيقية!

بعد ذلك تناقلت بعض المواقع الإلكترونية مظاهرة لبعض الشباب الذين لا يعرف من وراءهم قاموا بالاحتجاج أمام منزل أحد الشباب الموقوفين رافعين شعارات مناهضة للمثلية للجنسية ومعتبرة أن الإسلام في خطر! وهو ما يمثل انزلاقا خطيرا يحول انحرافا قانونياً محتملاً لفرد أو فردين (في انتظار أن يقول القضاء كلمته) إلى شحن إيديولوجي يستغل المرجعية الدينية بشكل مباشر من أجل الزجر، متجاوزاً سلطة القانون والمؤسسات.
هنا لا بد من وضع النقاط على الحروف:
من حق المجتمع وقواه الحية أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم بكل حرية انطلاقا من قناعاتهم الأخلاقية وتصوراتهم المثالية، ومن حق القوى المختلفة في البلد أن تنخرط في نقاش فكري وفلسفي وإيديولوجي للدفاع عن وجهة نظر معينة، لكن مؤسسات الدولة ينبغي أن تقارب هذه الموضوعات من زاوية واحدة وهي زاوية القانون، وضرورة احترام المرجعية الدستورية والقانونية للمجتمع.

وإذا كان من واجب وزارة الداخلية توقيف المخالفين وإعمال أدوات القانون، فإن ما أقدمت عليه القناة الأولى من نشر اسمي الشابين وصورتيهما، كانت نتيجته المباشرة التشهير بهما، دون اكتراث بمبدأ أن البراءة هي الأصل، مع ما يمكن أن يتعرضا له من أضرار، يعتبر عملاً غير مهني يستدعي وقفة قانونية مرة أخرى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الأخلاق والقانون بين الأخلاق والقانون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca