الدبلوماسية بين المصالح والمبادئ

الدار البيضاء اليوم  -

الدبلوماسية بين المصالح والمبادئ

عبد العالي حامي الدين

المراقبون للسياسة الخارجية المغربية سجلوا تميز الموقف المغربي من المسيرة المنددة بالإرهاب، التي نظمت بالعاصمة الفرنسية على خلفية الهجوم الذي تعرضت له صحيفة «شارلي إيبدو».

الموقف المغربي تمثل في صدور بيان عن الديوان الملكي للتنديد بالفعل الإرهابي، مع تقديم التعازي بشكل رسمي من طرف وزير الخارجية إلى رئيس الجمهورية الفرنسية..

الخارجية المغربية أصدرت بيانا أعلنت فيه عن مشاركة السيد وزير الخارجية في مسيرة باريس، مع الامتناع عن المشاركة في حال تم رفع شعارات، أو رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الموقف المغربي استند إلى مبدأين واضحين: أولا، رفض الهجوم الإرهابي واستنكار لغة العنف أيا كانت تبريراتها .. ثانيا، رفض المساهمة في مسيرة ترفع فيها شعارات أو رسوم مسيئة للرسل والأنبياء..

بعض المحللين ربطوا بين الموقف المغربي الأخير، وبين تحول اللهجة المغربية تجاه القوى الكبرى وخاصة فرنسا، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في كلمة المغرب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة..

والحقيقة أن السياسة الخارجية لا يمكن أن تكون ناجحة، إلا إذا استطاعت التوفيق بذكاء بين المصالح والمبادئ..

لقد تحكمت في الموقف المغربي معطيات أساسية مرتبطة بطبيعة الدولة في المغرب، وطبيعة نظامها السياسي..

إن صفة أمير المؤمنين التي يتمتع بها رئيس الدولة في المغرب لها امتدادات سياسية خارجية، تتجاوز تدبير  الحقل الديني المغربي، ومن ذلك، رفض الإساءة للرسل والأنبياء كافة، ولرسول الإسلام بصفة خاصة تحت غطاء حرية التعبير، ورفض العنصرية والاستهداف المباشر لكل ما له صلة بالإسلام والمسلمين، باعتبار عدد المغاربة المسلمين المقيمين في دول غربية. وهو ما يجعل المغرب يرفض تعمد الخلط بين أشكال التطرف لدى بعض المسلمين، وبين الإسلام كدين وكثقافة وكحضارة وتاريخ..ولذلك كان لابد من موقف مبدئي ينسجم مع الخصوصية الدينية والحضارية للمغرب.

كما أن التنديد بالفعل الإرهابي تحت أي مسمى كان، يجسد موقفا مبدئيا رافضا للعنف، خاصة من طرف دولة سبق لها أن اكتوت بنار الإرهاب والتطرف..

لكن هل معنى ذلك أن المغرب يبني جميع مواقفه الخارجية استنادا على المبادئ، خاصة وأن البعض ربط بين الموقف المغربي الأخير، وبين حالة الجفاء التي تمر بها العلاقات المغربية الفرنسية؟

في العلاقات الدولية يجري تصنيف الدول إلى خمس مجموعات رئيسية من حيث قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن خلال وضعياتها المختلفة، وما تحققه لها تلك الوضعيات من نتائج، وهي: الدولة المركز، والدولة القارية، والدولة الجزيرة، والدولة الترانزيت، وأخيرا الدولة الجناح أو الطرفية.

إن العمق التاريخي والاستراتيجي للمغرب، يجعل منه دولة مستقلة ذات سيادة، تختلف في سياستها الخارجية عن بعض الدول التي كانت نتيجة اتفاقات دولية بين قوى استعمارية، وفي الوقت نفسه، يحاول شق طريقه ضمن الدول الصاعدة، وهو ما يفرض على السياسة الخارجية المغربية تطوير رؤيتها في العلاقات الدولية: رؤية قائمة على مبادئ واضحة، تعكس ثقة المغرب في ذاته وقدرته على بناء علاقات متناغمة ومتوازنة مع الجميع على قاعدة التركيب الخلاّق بين المبادئ والمصالح..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدبلوماسية بين المصالح والمبادئ الدبلوماسية بين المصالح والمبادئ



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca