أخر الأخبار

نقاش هادئ لزواج القاصر

الدار البيضاء اليوم  -

نقاش هادئ لزواج القاصر

عبد العلي حامي الدين

مركزية مؤسسة الأسرة ومكانة العائلة ليست خاصية عربية إسلامية، ولكن العديد من الحضارات أولت لها عناية خاصة ففي الثقافة المسيحية الكاثوليكية يمثل الزواج رباطا دينيا قبل أن يكون عقدا مدنيا، وفي الحضارة الصينية تمثل العائلة التي تستند إلى علاقات الزواج والدم، وتتكون من الآباء والأبناء وكبار السن ممن يقتسمون بيتا واحدا، تمثل دورا مركزيا في الحياة الاجتماعية للصينيين، وتحافظ على تقاليد عريقة في التاريخ الصيني، بحيث يمكن اعتبار جميع العلاقات الاجتماعية الصينية تنبع أصلا من العائلة وهو مفهوم متجذر في الثقافة الصينية.   موضوع الأسرة من المواضيع الذي تتقاطع في ملامسته مجموعة من الأبعاد، فهناك البعد الاجتماعي الذي ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية التي تحتضن هذه المؤسسة التي تمثل الوحدة الدنيا في المجتمع، وهناك البعد الحقوقي الذي يرسم حقوقا ثابتة لمختلف الأطراف المكونة للأسرة، وهناك البعد الديني والحضاري الذي يضع مكانة خاصة لهذه المؤسسة في الاجتماع الإسلامي ويخصها ببعض التشريعات التي تلامس بعض جوانب هذه المؤسسة. في المغرب هناك نقاش داخل المؤسسة البرلمانية حول السن القانوني للزواج، وهو نقاش ينبغي أن يستحضر مجموعة من الأبعاد التي تجعل التشريع في موضوع الأسرة مختلف عن باقي التشريعات التي تهم موضوعات أخرى. طبعا، لا يمكن مصادرة حق البرلمان في التشريع في هذا المجال، والكلمة النهائية تبقى له في جميع الأحوال، وحسب فهمي المتواضع، فإن أحكام الشريعة الإسلامية لم تحدد سنا معينا لإبرام عقد الزواج، وبالتالي، فإن الاجتهاد في هذا الباب مفتوح على جميع الخيارات التي تحقق مصلحة المجتمع وتستجيب لمقاصد استقرار مؤسسة الأسرة كما أوصت بذلك الشريعة وكما اهتمت بها أيضا المواثيق الدولية ذات الصلة. القاعدة القانونية هي قاعدة اجتماعية، ومن الطبيعي أن تسترشد السلطة التشريعية بآراء كل المتدخلين، وأن تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي الملموس. الموضوع أعقد من أن نتعامل معه باعتبارات إيديولوجية محضة، لنأخذ نسبة زواج من هن أقل من 18 سنة، فقد أثبتت الدراسات المنجزة حول الموضوع من طرف وزارة العدل والحريات أنها كانت مرتفعة قبل سنة 2011، لكن منذ سنتين بدأت في التراجع.. لكن، هل علينا أن نطمئن؟ لا، فالقاضي الذي يرفض الإذن بالزواج لفتاة أقل من 18 سنة، يفاجأ بعد سنتين أو ثلاث سنوات بالفتاة نفسها وهي تباشر أمامه مسطرة ثبوت الزوجية بعدما تكون قد تزوجت بالفاتحة، وأنجبت أولادا حتى..!! في محاكم الدار البيضاء جرى الاجتهاد القضائي على عدم الإذن بالزواج إلا لمن بلغت 17 سنة، وهذا اجتهاد محمود وجريء، لكن النتيجة أن المعنيين بالأمر لجؤوا إلى محاكم من خارج الدار البيضاء وقضوا أغراضهم.. في النهاية، القاضي المستنير الذي يتحرك بوازع من ضميره المهني مستحضرا جميع الأبعاد المحيطة بعملية الزواج، يملك سلطة تقديرية تجعله يتعامل مع كل حالة بالطريقة الملائمة وبالحكمة المطلوبة.. الموضوع أكبر من معركة إيديولوجية، الموضوع يُسائل السياسات العمومية في مجال التعليم والنهوض بالعالم القروي التي تسمح لفتاة لم تجد مكانها في المدرسة العمومية أو في الجامعة وأصبحت تشكل عبئا على أبويها اللذين يفضلان التخلص منها عند أول خاطب يطرق الباب..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقاش هادئ لزواج القاصر نقاش هادئ لزواج القاصر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 23:36 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

توقيف ممرضتین لتصويرهن شخص مُسن وهو يُمارس العادة السرية

GMT 08:11 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

خطيبة "شيكابالا" تخطف الأنظار بإطلاله ساحرة وجذابة

GMT 12:04 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيًا من بلدة حلحول شمال الخليل

GMT 14:25 2015 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم عشرة ممرات وأروقة تجارية تميز مدينة إسطنبول التركية

GMT 22:05 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

المهاجم أشرف بنشرقي تحت مجهر "أودينزي" الإيطالي

GMT 15:09 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فالفيردي لن يطلب "الصفح" وغير قلق من سواريز
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca