الجهاد المفترى عليه

الدار البيضاء اليوم  -

الجهاد المفترى عليه

عبد العالي حامي الدين

الشريط التحريضي المنسوب إلى «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، يستحق التحليل من زوايا متعددة. فمن الزاوية التقنية يبدو بأن الشريط أنجز بدرجة عالية من الاحترافية والجودة الفنية والقدرة التوثيقية التي تظهر من خلال الكم الهائل من المعطيات والوقائع والصور المنتقاة بطريقة ماكرة، وهو ما يعني بأن الإمكانيات المالية واللوجيستية للقائمين على الشريط  تتجاوز القدرات الممكنة للمجموعات المسلحة المطاردة بأدغال الجزائر أو في قلب الصحراء الكبرى. أما من الناحية السياسية، فالشريط يسلط الضوء على العديد من الوقائع السياسية المنتقاة من وثائق ويكيليكس ومن بعض الكتب الأجنبية ومن بعض التقارير الإخبارية بغية تحقيق هدف واحد وهو التحريض بشكل مباشر ضد النظام الملكي والدعوة للثورة عليه!! شكل هذه الثورة يتصورها صانعو الشريط في شكل جهاد مسلح ضد مؤسسات الدولة وعلى رأسها النظام الملكي حتى «تسود الشريعة أرض المغرب» بزعم لغة الشريط.. وهنا زاوية أخرى للتعليق من الناحية الشرعية، ذلك أن استدعاء مفهوم الجهاد لتغيير نظام يعتبر الإسلام من ثوابته الأساسية يترجم جهلا فظيعا بأبسط قواعد الشريعة ويشوه مفهوم الجهاد، الذي يراد من ورائه إضفاء الشرعية على الإرهاب والقتل واستخدام العنف.. بغض النظر عن مدى صحة المصدر المنتج للشريط، فإنه من المؤكد أن هناك حركات تسمي نفسها حركات جهادية تحمل مثل هذه الأفكار اعتقادا منها أنها بهذا المنهج تخدم دين الله في الأرض، ولا تنتبه إلى أن مثل هذه الأفكار تعود بالخراب والدمار على الإسلام والمسلمين... الشريط الذي يمتد لـ41 دقيقة، يرصد مجموعة من الاختلالات الموجودة في واقعنا اليومي ويحاول أن يقنع بأن تجاوز هذه الاختلالات ممكن عن طريق العنف..!! طبعا من الوهلة الأولى تبدو هذه الدعوة سطحية وساذجة رغم تغليفها بمبررات شرعية وبقراءة ظاهرية لآيات الجهاد في القرآن الكريم، لكنها يمكن أن تؤثر في ذوي العقول البسيطة الذين يحملون عاطفة دينية دون أن يتسلحوا بالعلوم الضرورية لفهم الدين وفهم الواقع معا.. لا حاجة إلى التذكير بأن خيار العنف أثبت فشله الذريع في العديد من الدول، خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع الديمقراطي الذي وقع شهادة وفاة تنظيم القاعدة وجميع الحركات الجهادية الموالية لها.. خيار العنف خيار فاشل لعدة اعتبارات: الاعتبار الأول، وهو أن عنف الدولة أقوى من عنف الأفراد وأن الدولة قادرة على تحطيم النزعات الميالة إلى استخدام العنف ضد مؤسسات الدولة رغم ما قد يحدثه عنف الأفراد من إرباك ظرفي للدولة ومؤسساتها.. ثانيا، الانجرار للعنف هو خيار الأفراد والعصابات ولا يمكن أن يكون خيار الجماهير والشعوب، ولذلك فإن السقوط في دوامة العنف يفقد الدعوات الإصلاحية الحقيقية ما يمكن أن تتمتع به من شعبية في أوساط الجماهير.. الاعتبار الثالث هو أن خيار العنف يعطي المبررات للتيارات التراجعية داخل السلطة للإجهاز على الحقوق والحريات في سياق مكافحة الإرهاب، وهي ورقة جرى استخدامها بفعالية في سياقات أخرى. الاعتبار الرابع هو أنه في مواجهة العنف والإرهاب من الصعب الحديث عن احترام مقتضيات حقوق الإنسان، وهو ما يفقد دعاة الإصلاح سلاحا فعالا في مواجهة القوى التراجعية، وهو الاحتكام إلى المعايير الدولية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.. دعوات العنف دعوات مستنكرة ومدانة بجميع المقاييس الشرعية والسياسية ذلك أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا، ومبدأ نبذ العنف بجميع صوره وأشكاله وكيفما كانت الظروف ومهما علا صوت الظلم والطغيان، ينبغي أن يبقى مبدآ راسخا مهما حاول البعض خلطه بمبدأ إسلامي عظيم هو الجهاد في سبيل الله الذي له شروطه المقدرة شرعا وعقلا..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجهاد المفترى عليه الجهاد المفترى عليه



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca