تجربة استثنائية..

الدار البيضاء اليوم  -

تجربة استثنائية

بقلم : عبد العالي حامي الدين

بكثير من الدهشة يتابع المراقبون من خارج المغرب التجربة السياسية لحزب العدالة والتنمية، ويتساءلون عن عناصر قوتها التي مكنتها من التوقيع على نتائج سياسية متقدمة مقارنة بالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في العالم العربي، والحقيقة أن هذه التجربة هي محصلة الكثير من المحددات الموضوعية، فالمغرب عرف تعددية سياسية حزبية منذ سنة 1934، هذه التعددية التي ترسخت مع الاستشارات الشعبية والاستحقاقات الانتخابية المتوالية منذ سنة 1962، رغم ما شابها من عمليات تحريف عن الإرادة الشعبية، كما تميزت التجربة المغربية بطبيعة النظام الملكي الذي يعتبر محل إجماع من طرف القوى السياسية المشاركة، وبطبيعة الأدوار الاستراتيجية التي يقوم بها الملك، مثل دور التحكيم في القضايا الخلافية الكبرى، بالإضافة إلى قيادة الجيش وإبعاده عن الشأن السياسي، دون أن ننسى الدور المهم الذي يحتله الملك في رعايته الشأن الديني باعتباره أميرا للمؤمنين.
إن طبيعة الواقع الاجتماعي والسياسي المغربي جعلته يعرف منذ الاستقلال انفتاحا اجتماعيا وسياسيا مقدرا، ومن هنا نفهم أن المغرب، على عكس بعض التجارب المقارنة، لم يعتمد سياسة عدائية تجاه الحركة الإسلامية، ولم يختر أسلوب تجفيف منابع التدين لمحاصرتها، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على نمط التدين السائد بشكل عام وفي أوساط الحركة الإسلامية، والذي اتسم بالاعتدال والوسطية، وبالمرونة في الجانب السياسي.
لقد اختارت الملكية في المغرب أن تواجه احتجاجات الشارع المغربي بالحوار، وتفاعلت مع مطالب الدينامية الاحتجاجية لـ20 فبراير، المتأثرة برياح الربيع العربي، بالحوار وبالتفاعل السريع مع مطالبه عبر خطاب مباشر يوم 9 مارس، وعبر إصلاح الوثيقة الدستورية التي سجلت الكثير من المقتضيات المتقدمة مقارنة بالدستور السابق.
الشباب المغربي الذي أطلق شرارة الاحتجاجات تفاعلا مع ثورات الربيع العربي هو بدوره لم يرفع شعار إسقاط النظام، وإنما طالب بإصلاحات ديمقراطية عميقة، وهو ما كان ثمرة لسياسة الاعتدال والانفتاح السياسي الموزون التي اعتمدها النظام السياسي تجاه معارضيه بدرجات متفاوتة منذ الاستقلال إلى اليوم.
إن منهج حزب العدالة والتنمية لم يكن من الممكن أن يقفز على هذه السياقات البارزة، فهو امتداد لفكرة المشاركة السياسية التي تم تطويرها داخل حركة التوحيد والإصلاح منذ حوالي ربع قرن.
هذه الحركة التي ولدت رسميا سنة 1996 على إثر وحدة اندماجية بين تنظيمات سابقة، وقد كانت هذه الوحدة نتيجة مسار مراجعات عديدة على الصعيد الفكري والسياسي والتنظيمي، ويعود تاريخ هذه التنظيمات إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات.
من أبرز ما تميزت به هذه الحركة، بالمقارنة مع شبيهاتها في باقي الأقطار العربية، هو نجاحها في ترسيخ منهج التداول الديمقراطي على المسؤوليات التنظيمية، كما نجحت في المحافظة على خصوصيتها كحركة إسلامية ملتصقة بالبيئة المغربية، وليست لها أي ارتباطات تنظيمية بحركات إسلامية خارج التراب الوطني، وأسهم مفكرو الحركة ومثقفوها في إشاعة فكر إسلامي معتدل ينهل من مدرسة المقاصد كما تبلورت في الغرب الإسلامي من الشاطبي إلى ابن عاشور وعلال الفاسي وأحمد الريسوني وسعد الدين العثماني وغيرهم…
هذه النتيجة هي امتداد لمسار من المراجعات الفكرية والاجتهادات السياسية، أبرزها مطلب القطيعة مع مطلب إقامة «الدولة الإسلامية»، وتثمين المرتكزات التي تستند إليها شرعية النظام السياسي القائم، وتركيز الوعي بأهمية كون الدولة في المغرب ذات جذور تاريخية تمتد إلى أكثر من اثني عشر قرنا، والوعي بأهمية المحافظة على الشرعية الدينية التي تستند إليها، والتي تعززت بالتنصيص الدستوري على أن المغرب دولة إسلامية وأن الملك أمير المؤمنين. وبالتالي، فإن تأثير صدمة سقوط «الخلافة الإسلامية» على المغرب كان أخف بكثير منه على المشرق العربي، لأن الجميع يعتبر أن الدولة الإسلامية في المغرب مستمرة، لم تنقطع ولم تسقط. وقد أعطى ذلك ما عرف بـ«الخصوصية المغربية»، ما كان له تأثير بعيد المدى على السلوك الدعوي والتنظيمي والسياسي للحركة وللحزب.
غير أن هذا المسار لا ينسحب على جميع الحركات الإسلامية في المغرب، فقد ظلت جماعات أخرى تحتفظ بمقولات أخرى، جعلها تخوض مسارا مختلفا أثر في طبيعة العلاقة بينها وبين الدولة وباقي الفاعلين السياسيين.
لنا عودة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجربة استثنائية تجربة استثنائية



GMT 00:07 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

المغرب والجزائر.. واتحاد المغرب العربي

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 05:51 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

قضية الصحراء والمنعطفات الخطيرة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 08:15 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

قضية بوعشرين.. البراءة هي الأصل

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca