بقلم : عبد العالي حامي الدين
النقاش الدائر داخل فئات واسعة من المجتمع، ولا سيما وسط الشباب حول المرحلة السياسية الراهنة، هو نقاش حيوي يعكس عودة الاهتمام بتفاصيل الشأن السياسي الوطني، كما أنه يخفي وراءه حجم الآمال التي ينتظرها الناس من الفاعل السياسي.
صحيح أن الطابع التراجعي الذي ميز المسار السياسي لتشكيل هذه الحكومة من الناحية الديمقراطية، خلف نوعا من الإحباط والتشكيك في جدوى الممارسة الانتخابية لدى عينات مهمة من الناس، لكن من المؤكد أن هناك فهما عميقا للإشكاليات البنيوية التي فسحت المجال لتكالب العديد من الأطراف من أجل إفشال تشكيل الحكومة الجديدة، بناء على نتائج اقتراع السابع من أكتوبر تحت رئاسة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي بوأه الناخبون المرتبة الأولى، في رسالة واضحة من أجل ولاية ثانية تحت رئاسته..
المهم أن القضية الآن لم تعد قضية حزب العدالة والتنمية لوحده، ولكنها قضية فئات اجتماعية واسعة وأجيال من الشباب، ميزتها الأساسية أنها عابرة للانتماءات الحزبية وللاصطفافات الإيديولوجية وليست منغلقة في أُطر تنظيمية تقليدية، وهي تحمل طموحات مختلفة عن الثقافة السياسية السائدة وسط النخب التقليدية وتؤمن بإمكانية تحقيق التغيير.
الرسالة التي حاول خصوم الديمقراطية بعثها إلى هذه الفئات، هي رسالة الإحباط والتشكيك في فعالية أصواتهم الانتخابية، ودفعهم إلى فقدان الإيمان بجدوى الممارسة السياسية، والانسحاب من ساحة التدافع السياسي والتراجع عن معركة الإصلاح، والتسليم بقدرية الاستبداد والفساد!
قال لي صديقي بائع الخضر في أحد الأسواق الشعبية: “شعرت بالحكرة بعد إزاحة بنكيران.. وفكرت في عدم الذهاب مرة أخرى إلى مكتب التصويت، لكني قلت مع نفسي إذا بقي ناس العدالة والتنمية رجالا لن أتخلى عنهم..”، وأضاف عبارات من الإطراء والاعتراف في حق الأستاذ بنكيران…
الكرة الآن في ملعب حزب العدالة والتنمية والجميع ينتظر تقييمه المؤسساتي لنتائج هذه المرحلة، ومن المؤكد أن هناك بعض التمايزات الواضحة التي تعكس نوعا من الاختلاف في قراءة معطيات المرحلة الراهنة، التي تستبطن، أيضا، اختلافا حقيقيا في قراءة المسار السياسي الذي أسفر عن تشكيلة حكومية من ستة أحزاب وشخصيات “تقنوقراطية” لا انتماء حزبي لها، بالإضافة إلى بعض الوزراء الذين التحقوا في آخر لحظة بأحد الأحزاب السياسية…
كيفما كان تقييم هذا المسار، فإن الأمل في استمرار مصداقية شعار: “الإصلاح في ظل الاستقرار”، مرتبط بمواصلة أداة إصلاح قوية وفعالة تتمتع باستقلالية قرارها وبيقظة حسها النقدي..
تعرف كيف تدعم الحكومة في اختياراتها الإصلاحية، وتعرف كيف تقول “لا” بكل وضوح، حينما يتعلق الأمر بعكس ذلك، استعدادا لجولة جديدة في معركة النضال من أجل الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وهي جولة آتية لا ريب فيها..
ما مفاكينش..