لباس البحر وسؤال الحداثة!

الدار البيضاء اليوم  -

لباس البحر وسؤال الحداثة

بقلم - عبد العالي حامي الدين

فجأة ودون مقدمات، يريد البعض أن يفرض علينا مناقشة «حجاب المرأة» و«لباس البحر» و«المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة» و«أضحية العيد»…
لست من هواة اللجوء إلى نظرية المؤامرة لتفسير الوقائع والأحداث، ولكن هذا الطوفان من الأخبار والتعليقات والتحليلات يبدو خارج الزمن التاريخي، وكأن هناك من يريد فرض هذه الأولويات على جدول الأعمال الوطني، وخلق تقاطب اصطناعي حول قضايا الهوية بين «الحداثيين» و«التقليديين»، والوصول في النهاية إلى مجتمعين يعيشان تحت خطين متوازيين تحت سقف واحد، لكل واحد منهما أولوياته وخطابه وجمهوره!
بل هناك من يريد إقحام الدولة في هذا النقاش، وهناك من يريد الزج بها في هذا التقاطب لتنتصر لطرف دون آخر.
والحقيقة أن الدولة ليس من مهامها ولا من حقها أن تتدخل للتفتيش في عقائد الناس، ولا في تحديد اختياراتهم وأنماط عيشهم ونوعية سلوكياتهم، بل من واجب الدولة رعاية مصالح الناس وضمان حقوقهم، والسهر على أمن واستقرار جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن لونهم أو جنسهم أو معتقداتهم الدينية والفكرية والسياسية.
الدولة هي كيان محايد لا يتدخل في تحديد أذواق المواطنين وفي حرياتهم الشخصية، وحينما يتعلق الأمر بالقضايا التي تتطلب رأيا فقهيا أو اجتهادا دينيا، فإن مثل هذه القضايا لا يمكن أن تكون محل تقاطبات سياسية أو صراعات إيديولوجية يقوم فيها كل طرف بحشد «أدلته» العقلية والنقلية لإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر.
هذه القضايا لا يمكن أن تخضع لأهواء السياسيين وديماغوجية الإيديولوجيين.. هذه القضايا هي من مهام أهل الاختصاص من علماء الدين المتضلعين في الفقه، الذين لهم الاستقلالية الكاملة عن حسابات السياسيين والإيديولوجيين، لذلك، فإن ما ينبغي الاتفاق عليه هو ضمان استقلالية المؤسسات المختصة بالشأن الديني عن أي توظيفات سياسية من أي جهة كانت، دون أن ننسى أن هناك حاجة مؤكدة إلى دينامية إصلاحية داخل «المؤسسة الدينية» نفسها، قائمة على إحياء الاجتهاد في الإسلام على ضوء متغيرات العصر، وإعادة قراءة العصر على ضوء موجهات الإسلام الكبرى ومقاصده الأساسية.
طبعا نحن لسنا ضد النقاش العمومي حول العديد من القضايا ذات الصِّلة بهوية المجتمع، والتي يثير بعضها الكثير من النقاشات المشروعة، لكننا نرفض تحوير النقاش حول هذه القضايا إلى صراع بين حداثيين وتقليديين أو محافظين،
فالحداثة ليست اختيارا إيديولوجيا، إنما هي مرحلة تاريخية من الضروري أن نعيشها لنضمن لمجتمعاتنا حضورا فاعلا في التاريخ.
إن النقاش الحقيقي ينبغي أن يجري فوق أرضية الحداثة نفسها، بين من يرى أن الحداثة هي ذلك التفاعل الضروري في المجتمع الذي يبحث عن قوانين المعاصرة ليعيش واقعه، ويستجيب لحاجياته وأولوياته، دون اصطدام أو قطيعة حادة مع تاريخه وتراثه، وبين من يتبنى الحداثة كاختيار فوقي وتسلطي يخفي نوعا من الوصاية على أفراد المجتمع وعلى أنماط حياتهم وأذواقهم وحرياتهم الشخصية..
فليس المهم أن نحدد نوعية وشكل لباس البحر بالنسبة إلى المرأة أو الرجل، لكن المهم هو الإيمان بحرية الناس في الاستمتاع بالبحر، وحريتهم في اختيار اللباس الذي يتلاءم مع راحتهم النفسية واختياراتهم الذوقية، وليس من حق أحد فرض نمط خاص على الجميع، سواء بدعوى الحداثة أو بدعوى المحافظة، والأهم هو تعايش جميع الأذواق تحت سقف المجتمع الواحد، وفي ظل الدولة الديمقراطية التي تضمن الحرية للجميع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لباس البحر وسؤال الحداثة لباس البحر وسؤال الحداثة



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca