الإجهاض بين الواقع والقانون

الدار البيضاء اليوم  -

الإجهاض بين الواقع والقانون

عبد العالي حامي الدين


مرة أخرى يؤكد المغاربة أن بإمكانهم تجاوز الكثير من المشاكل المجتمعية، عبر إعمال المقاربة التشاورية والتشاركية من أجل فهم أعمق للظواهر الكامنة في المجتمع، واعتماد الحلول الملائمة لمعالجتها..
المنهجية التي أعلن عنها الملك محمد السادس، قبل مراجعة أحكام الإجهاض في القانون الجنائي المغربي، هي المنهجية الفُضلى في التعاطي مع مختلف الإشكالات المجتمعية..
وقد أحسنت وزارة الصحة حين أشرفت على تنظيم مناظرة في الموضوع بمشاركة مختلف الأطراف المعنية، وكذا المشاورات الداخلية التي أجرتها وزارة العدل والحريات وهي تستعد لإطلاق مسودة مشروع القانون الجنائي المعدل.. كل هذه العناصر ضرورية لترسيخ بعض القواعد النموذجية في تدبير الاختلافات المتعلقة ببعض الظواهر الاجتماعية الحسّاسة.
ماذا يعني أن تقوم المنهجية المتبعة على ضرورة الانتباه إلى التطورات الجارية في المجتمع مع الالتزام باحترام تعاليم الشريعة الإسلامية؟
يعني ضرورة فهم التطورات الحاصلة في المجتمع عبر الإنصات إلى الأرقام المعلنة بشكل صحيح حول ظاهرة الإجهاض غير القانوني، الذي يتم بشكل سري داخل العديد من المصحات، وداخل البيوت، أيضا، بمشاركة أطباء وممرضين..
بعض هذه الحالات يمكن أن تصبح منسجمة مع القانون، وبعضها يعتبر بالتأكيد اعتداء على النفس البشرية وجريمة يُعاقب عليها القانون..
لابد من فهم الأسباب العميقة للظاهرة وتحليل أبعادها القيمية والاجتماعية والاقتصادية، وتفكيك أنواعها وترتيب الأحكام القانونية الملائمة لكل حالة من الحالات الموجودة.. تشخيص المشكلة ينبغي أن يتم انطلاقا من اعتبارات موضوعية تتجاوز النموذج المعياري الذي نتمناه لمجتمعاتنا، فمثلا لا يمكن الانطلاق من مسلمة اعتبار كل عملية إجهاض هي عملية قتل للنفس التي حرم الله ـ هكذا بإطلاق ـ كما تتجاوز في الوقت نفسه، شرعنة كل أشكال وأنواع الإجهاض بطريقة متطرفة بدون ضوابط قانونية وأخلاقية.. ومن هنا ضرورة الاجتهاد من أجل تطوير القانون الحالي مع احترام أحكام الشريعة الإسلامية..ماذا يعني ذلك؟
يعني ضرورة إعمال أدوات الاجتهاد الجماعي، الذي يشارك فيه جميع الخبراء في الموضوع من أطباء وعلماء شريعة وقانونيين، من أجل استعراض الحالات الجديدة التي استحدثت في واقعنا بفعل تطور الجريمة مثل حالة زنا المحارم، وحالة الاغتصاب الذي يترتب عليه، أو حالات لم ينتبه إليها المُشرّع في السابق، كحالة المرض الذي يهدد الأم بالوفاة في حالة الحمل أو غيرها من الحالات التي يحددها المختصون..وترتيب الأحكام القانونية لكل حالة على حدة على ضوء مقاصد الشريعة وأحكامها بما يُحقق مصالح الأفراد والجماعات..
ومعلوم أن من خصائص الشريعة الإسلامية السمحة القائمة على حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال أنها وسطية ومعتدلة، وهي قادرة على توفير مصالح العباد سواء أكانوا أجنة أو أطفالا أو شبابا أو شيوخا، وأحكامها مرنة وواقعية تتراوح بين الوجوب أوالحرمة أوالكراهة أو الندب أو الإباحة وهو ما يضمن إمكانيات واسعة للاجتهاد حسب تغير ظروف الزمان والمكان..
المصلحة الحقيقية للمجتمع لا تكمن في التحريم المطلق ولا في الإباحة المطلقة، بل في الاعتدال.. فلنعتدل..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإجهاض بين الواقع والقانون الإجهاض بين الواقع والقانون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 09:38 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

«بوليساريو» الداخل..!

GMT 09:46 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

برودكوم تعرض الاستحواذ على كوالكوم مقابل 130 مليار دولار

GMT 01:09 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

Poison Girl Unexpected الجديد من "ديور" للمرأة المفعمة بالأنوثة

GMT 18:56 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

الأهلي يخطف كأس السوبر بعد الانتصار على المصري بهدف نظيف

GMT 18:18 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

تامرعبد المنعم يصالح محمد فؤاد في حفلة زفاف

GMT 21:31 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

مدينة تاوريرت تستقبل حافلتين من اليهود

GMT 04:47 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

توقيف أحد مهربي المواد المخدّرة في مدينة بركان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca